ثم روى الحاكم عن عمرو بن مرة الجهني رضي الله تعالى عنه، وكانت له صحبة، قال: إن الحكم بن أبي العاص استأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعرف صوته فقال صلى الله عليه وسلم:«ائذنوا له لعنة الله عليه وعلى من يخرج من صلبه إلا المؤمن منهم، وقليل ما هم يشرفون في الدنيا، ويضيعون في الآخرة ذوو مكر وخديعة يعطون في الدنيا وما لهم في الآخرة من خلاق» قال ابن ظفر. وكان الحكم بن أبي العاص يرمى بالداء العضال وكذلك أبو جهل.
وأما تسمية الوزغ فويسقا، فنظيره الفواسق الخمس التي تقتل في الحل والحرم، وأصل الفسق الخروج، وهذه المذكورات خرجت عمن خلق معظم الحشرات ونحوها بزيادة الضرر والأذى.
وأما تقييد الحسنات في الضربة الأولى بمائة، وفي الثانية بسبعين، كما في بعض الروايات، فجوابه أنه كقوله في صلاة الجماعة بسبع وعشرين وبخمس وعشرين، وأن مفهوم العدد لا يعمل به فذكر السبعين لا يمنع المائة فلا تعارض بينهما. أو لعله صلى الله عليه وسلم أخبر أولا بالسبعين، ثم تصدق الله تعالى بالزيادة علينا، فأعلم به صلى الله عليه وسلم حين أوحى الله إليه بعد ذلك، أو أنه يختلف باختلاف قاتلي الوزغ، بحسب نياتهم وإخلاصهم، وكمال أحوالهم ونقصها، فتكون المائة للأكمل منهم والسبعون لغيره.
قال يحيى بن يعمر: لأن أقتل مائة وزغة أحب إليّ من اعتق مائة رقبة، وإنما قال ذلك لأنها دابة سوء، زعموا أنها تسقى من الحيات وتمج في الإناء فينال الإنسان المكروه العظيم بسبب ذلك، وسبب كثرة الحسنات في المبادرة أن تكرر ضربات في القتل، يدل على عدم الاهتمام بأمر صاحب الشرع، إذ لو قوي عزمه وأشتدت حميته، لقتلها في المرة الأولى لأنه حيوان لطيف لا يحتاج إلى كثرة مؤنة في الضرب، فحيث لم يقتلها في المرة الأولى دل ذلك على ضعف عزمه، فلذلك نقص أجره من المائة إلى السبعين. وعلل عز الدين بن السلام «١» كثرة الحسنات في الأولى بأنه إحسان في القتل فيدخل تحت قوله «٢» صلى الله عليه وسلم «إذا قتلتم فأحسنوا القتلة» . أو أنه مبادرة إلى الخير فيدخل تحت «٣» قوله تعالى: اسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ*
قال: وعلى كلا المعنيين فالحية والعقرب أولى بذلك لعظم مفسدتهما.
وذكر أصحاب الآثار أن الوزغ أصمّ قالوا: والسبب في صممه ما تقدم من نفخه النار على إبراهيم عليه الصلاة والسلام، فصم لأجل ذلك وبرص. ومن طبعه أنه لا يدخل بيتا فيه رائحة الزعفران، وتألفه الحيات كما تألف العقارب الخنافس، وهو يلقح بفيه ويبيض كما تبيض الحيات، ويقيم في جحره زمن الشتاء، أربعة أشهر لا يطعم شيئا.
وقد تقدم في حرف السين المهملة ما يتعلق بأحكامها وخواصها وقد أحسن في وصف الوزغة وغيرها الأديب الشاعر كمال الدين علي بن محمد بن المبارك الشهير بابن الأعمى، صاحب