واحد بعد واحد. وأعجب من ذلك أن أميرين منهما، لا يجتمعان في بيت، ولا يتأمران على جمع واحد، بل إذا اجتمع منها جندان وأميران قتلوا أحد الأميرين وقطعوه واتفقوا على الأمير الواحد من غير معاداة منهم، ولا أذى من بعضهم لبعض، بل يصيرون يدا واحدة.
روى ابن السني، في عمل اليوم والليلة، عن أبي أمامة الباهلي رضي الله تعالى عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن أحدكم إذا أراد أن يخرج من المسجد، تداعت جنود إبليس واجتمعت كما تجتمع النحل على يعسوبها، فإذا قام أحدكم على باب المسجد، فليقل: اللهم إني أعوذ بك من إبليس وجنوده، فإنه إذا قالها لم تضره» .
ومن لفظ اليعسوب، قيل للسيد يعسوب قومه. وقال علي رضي الله تعالى عنه، لما رأى عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد مقتولا، يوم الجمل: هذا يعسوب قريش، ثم قال: جدعت أنفي وشفيت نفسي. وكان عبد الرحمن يقاتل ذلك اليوم ويقول:
أنا ابن عتاب بسيف ولول ... والموت دن الجمل المجلل
وقاتل قتالا شديدا في ذلك اليوم، وقطعت يده يومئذ، وكان فيها خاتم، فاختطفها نسر فطرحها باليمامة، فعرفت بخاتمه فصلوا عليه. وبالجملة، فقد اتفقوا على أن يده احتملها طائر في وقعة الجمل، فألقاها بالحجاز، فصلوا عليها ودفنوها.
واختلفوا في الطائر ما هو وفي أي مكان ألقاها؟ فقيل: حملها نسر وألقاها باليمامة في ذلك اليوم كما تقدم. وقال ابن قتيبة: حملتها عقاب، فألقتها في ذلك اليوم باليمامة. وقال الحافظ أبو موسى وغيره: ألقاها بالمدينة. وقال الشيخ، في شرح المهذب: ألقاها بمكة.
وفي صحيح «١» مسلم، من حديث النواس بن سمعان الطويل، أن الدجال تتبعه كنوز الأرض، كيعاسيب النحل أي تظهر له وتجتمع عنده كما تجتمع النحل على يعسوبها.
ولما مات أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه، قام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، على باب البيت الذي هو مسجى فيه، فقال: كنت والله يعسوبا للمؤمنين، وكنت كالجبل لا تحركه العواصف، ولا تزيله القواصف. فمثله علي كرم الله وجهه باليعسوب في سبقه للإسلام غيره، لأن اليعسوب يتقدم النحل إذا طارت فتتبعه، والعواصف الريح المهلكة في البر، والقواصف الريح المهلكة في البحر. قال «٢» الله تعالى: وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ عاصِفَةً
وقال «٣» الله تعالى: فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قاصِفاً مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِما كَفَرْتُمْ.
وفي كامل ابن عدي، في ترجمة عبد الله بن واقد الواقفي، وفي ترجمة عيسى بن عبد الله بن محمد بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي رضي الله تعالى عنه:
«أنت يعسوب المؤمنين والمال يعسوب الكفار» . وفي رواية: يعسوب الظلمة وفي رواية: يعسوب