للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بد أن تستبرأ وو الله لئن لم أبت معها ليلتي هذه، أظن أن نفسي تخرج! فقلت: يا أمير المؤمنين تعتقها وتتزوّجها، فإن الحرة لا تستبرأ. قال: فإني قد أعتقتها. فمن يزوّجنيها؟ قلت له: أنا.

فدعا بمسرور وحسين، فخطبت وحمدت الله تعالى، وزوّجته بها على عشرين ألف دينار، ثم قال:

علي بالمال، فجيء به فدفعه إليها ثم قال لي: يا يعقوب انصرف، وقال لمسرور: احمل إلى يعقوب مائتي ألف درهم، وعشرين تختا من الثياب فحمل ذلك إليه. اهـ.

وكان أبو يوسف يحفظ التفسير والمغازي وأيام العرب فمضى يوما ليسمع المغازي، وأخل بمجلس أبي حنيفة اياما فلما أتاه قال له: يا أبا يوسف من كان صاحب راية جالوت؟ فقال له أبو يوسف: إنك إمام، وإن لم تمسك عن هذا سألتك على رؤوس الناس، أيما كان أول وقعة بدر أو أحد؟ فإنك لا تدري ذلك، وهي أهون مسائل التاريخ، فأمسك عنه. قيل: كان يجلس إلى أبي يوسف رجل فيطيل الصمت ولا يتكلم فقال له أبو يوسف يوما: ألا تتكلم؟ فقال: بلى. متى يفطر الصائم؟ قال: إذا غابت الشمس. قال: فإن لم تغب إلى نصف الليل كيف يصنع؟ فضحك أبو يوسف وقال له: أصبت في صمتك، وأخطأت أنا في استدعائي نطقك وأنشد «١» :

عجبت لإزراء الغبي بنفسه ... وصمت الذي قد كان بالقول أعلما

وفي الصمت ستر للغبي وإنما ... صحيفة لب المرء أن يتكلما

وروي أن رجلا كان يجلس إلى بعض العلماء ولا يتكلم، فقيل له يوما: ألا تتكلم؟ قال:

نعم أخبرني لأي شيء يستحب صيام الأيام البيض من كل شهر؟ فقال: لا أدري: فقال الرجل:

لكني أدري. قال: وما هو؟ قال لأن القمر لا ينكسف إلا فيهن، فأحب الله تعالى أن لا يحدث في السماء آية، إلا حدث في الأرض مثلها. وهذا أحسن ما قيل فيه. وذكر «٢» ابن خلكان أن رجلا كان يجالس الشعبي ويطيل الصمت فقال له الشعبي يوما ألا تتكلم؟ فقال: أصمت فأسلم، وأسمع فأعلم، إن حظ المرء في أذنه له، وفي لسانه لغيره. وتكلم شاب يوما عند الشعبي بكلام، فقال الشعبي: ما سمعنا بهذا. فقال الشاب: أكل العلم سمعت؟ قال: لا. قال فشطره؟ قال:

نعم. قال: فاجعل هذا في الشطر الذي لم تسمعه. فأفحم الشعبي. وأبو يوسف هو أول من دعي بقاضي القضاة، وأول من غير لباس العلماء إلى هذه الهيئة التي هم عليها إلى هذا الزمان، وكان ملبوس الناس قبل ذلك، شيئا واحدا لا يتميز أحد عن أحد بلباسه وحكي أن عبد الرحمن بن مسهر، كان قاضيا على بليدة، بين بغداد وواسط، يقال لها المبارك، فبلغه خروج الرشيد إلى البصرة، ومعه أبو يوسف القاضي في الحراقة. فقال عبد الرحمن لأهل المبارك:

اثنوا علي عندهما، فأبوا عليه. فلبس ثيابه وتلقاهما، وقال نعم القاضي قاضينا، ثم مضى إلى موضع آخر وأعاد عليهما هذا القول فالتفت الرشيد إلى أبي يوسف وقال: يا يعقوب قاض في موضع لا

<<  <  ج: ص:  >  >>