للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

خبره لظريف، فإن أحببت شرحته لك؟ قلت: قد والله أحببت ذلك. قال: اعلم أنه وافى الربيع «١» الحاجب حين أفضت الخلافة إلى المهدي، فقال: استأذن لي علي أمير المؤمنين فقال له الربيع: من أنت؟ وما حاجتك؟ قال: أنا رجل قد رأيت لأمير المؤمنين رؤيا صالحة، وقد أحببت أن تذكرني له. فقال له الربيع: يا هذا إن القوم لا يصدقون ما يرونه لأنفسهم، فكيف ما يراه لهم غيرهم؟ فاحتل بحيلة غير هذه، تكون أدر عليك من هذه. فقال: إن لم تخبره بمكاني وإلا سألت من يوصلني إليه وأخبره إني سألتك الإذن عليه فلم تفعل. فدخل الربيع على المهدي وقال له: يا أمير المؤمنين إنكم قد أطمعتم الناس في أنفسكم وقد احتالوا لكم بكل ضرب. فقال له المهدي: هكذا صنع الملوك فماذا؟ قال: رجل بالباب يزعم أنه رأى لأمير المؤمنين رؤيا صالحة، وقد أحب أن يقصها على أمير المؤمنين، فقال له المهدي: ويحك يا ربيع إني والله قد أرى الرؤيا لنفسي فلا تصح لي، فكيف إذا ادعاها لي من لعله افتعلها؟ قال: قد قلت له والله مثل هذا فلم يقبل: قال فهات الرجل. فأدخل عليه سعيد بن عبد الرحمن، وكان له رواء وجمال وثروة ظاهرة ولحية عظيمة ولسان طلق، فقال له المهدي: هات بارك الله عليك ما رأيت قال: يا أمير المؤمنين، رأيت كأن آتيا أتاني في منامي، فقال لي أخبر أمير المؤمنين أنه يعيش ثلاثين سنة في الخلافة، وآية ذلك أن يرى في ليلته هذه في منامه، كأنه يقلب ياقوتا فيعده فيجده ثلاثين ياقوتة، كأنها قد وهبت له. فقال له المهدي: ما أحسن ما رأيت! ونحن نمتحن رؤياك في ليلتنا المقبلة، على ما أخبرتنا به، فإن كان الأمر كما ذكرته أعطيناك ما تريد، وإن كان الأمر بخلاف ذلك لم نعاقبك لعلمنا أن الرؤيا ربما صدقت وربما اختلقت. فقال له سعيد: يا أمير المؤمنين فماذا أصنع أنا الساعة إذا صرت إلى منزلي وعيالي، وأخبرتهم أني كنت عند أمير المؤمنين ثم رجعت صفر اليدين. فقال له المهدي:

فكيف نصنع؟ فقال: تعجل لي يا أمير المؤمنين ما أحب، وأحلف لك بالطلاق أني صادق في رؤياي فأمر له بعشرة آلاف درهم، وأمر أن يؤخذ منه كفيل فمد عينيه فرأى خادما واقفا على رأس المهدي، حسن الوجه والزي، فقال: هذا يكفلني. فقال له المهدي: أتتكفل به؟ فاحمر وجهه وخجل، وقال: نعم أتكفله. وانصرف سعيد بالمال. فلما كان في تلك الليلة رأى المهدي ما ذكره له سعيد حرفا بحرف. وأصبح سعيد فوافى الباب قائما واستأذن فأذن له، فلما وقعت عين المهدي عليه، قال له: أين مصداق ما قلت؟ فقال له سعيد: أو ما رأى أمير المؤمنين شيئا؟ فتلجلج في جوابه فقال له سعيد امرأته طالق أن لم تكن رأيت شيئا، فقال له المهدي: ويحك ما أجرأك على الحلف بالطلاق، قال لأني أحلف على صدق. فقال المهدي: قد والله رأيت ذلك بينا. فقال سعيد: الله أكبر أنجز لي يا أمير المؤمنين ما وعدتني. فقال له: حبا وكرامة ثم أمر له بثلاثة آلاف دينار، وعشرة تخوت ثياب، وثلاثة مراكب من أنفس دوابه. وقال غيره: ثلاث بغال شهب. فأخذ ذلك وانصرف، فلحقه الخادم الذي كان تكفل به، وقال له: سألتك بالله الذي لا إله إلا هو هل كان لتلك الرؤيا التي ذكرت حقيقة؟ فقال له سعيد: لا والله. فقال له: وكيف ذلك وقد رأى أمير المؤمنين ما ذكرته؟ فقال: هذه من المخاريق الكبار التي لا يأبه لها أمثالكم، وذلك أني لما

<<  <  ج: ص:  >  >>