للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يمنعون من تبذير ماله، ولاموه في العطاء، فكان يدعو الرجل، فإذا دنا منه، لطمه لطمة خفيفة، ثم يقول له: قم فانشد لطمتك واطلب ديتها، فإذا فعل ذلك أعطته بنو تيم من مال ابن جدعان.

ولقد أجاد أبو الفتح علي بن محمد البستي، صاحب النظم والنثر، في هذه القصيدة، وهي قصيدة طويلة طنانة تشتمل على مواعظ وحكم فلنأت بها بتمامها وبما ذيل عليها أهل الفضل. ويقال: إنها لأمير المؤمنين الراضي «١» بالله وهي هذه:

زيادة المرء في دنياه نقصان ... وربحه غير محض الخير خسران

وكل وجدان حظ لاثبات له ... فإن معناه في التحقيق فقدان

يا عامرا لخراب الدهر مجتهدا ... بالله هل لخراب العمر عمران

ويا حريصا على الأموال يجمعها ... أنسيت أن سرور المال أحزان

زع الفؤاد عن الدنيا وزخرفها ... فصفوها كدر والوصل هجران

وأوع سمعك أمثالا أفصلها ... كما يفصل ياقوت ومرجان

أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم ... فطالما استعبد الإنسان، إحسان

وكن على الدهر معوانا لذي أمل ... يرجو نداك فإن الحر معوان

من جاد بالمال مال الناس قاطبة ... إليه والمال للإنسان فتان

من كان للخير منّاعا فليس له ... عند الحقيقة إخوان وأخدان «٢»

لا تخدشن بمطل وجه عارفة ... فالبر يخدشه مطل وليان

يا خادم الجسم كم تسعى لخدمته ... أتطلب الربح مما فيه خسران

أقبل على النفس فاستكمل فضائلها ... فأنت بالنفس لا بالجسم إنسان

من يتق الله يحمد في عواقبه ... ويكفه شر من عزوا ومن هانوا

حسب الفتى عقله خلا يعاشر ... إذا تحاماه إخوان وخلان

لا تستشر غير ندب حازم فطن ... قد استوى منه إسرار وإعلان

فللتدابير فرسان إذا ركضوا ... فيها أبروا كما للحرب فرسان

وللأمور مواقيت مقدرة ... وكل أمر له حد وميزان

من رافق الرفق في كل الأمور فلم ... يندم عليه ولم يذممه إنسان

ولا تكن عجلا في الأمر تطلبه ... فليس يحمد قبل النضج بحران

وذو القناعة راض في معيشته ... وصاحب الحرص ان أثرى فغضبان

كفى من العيش ما قد سد من رمق ... ففيه للحران حققت غنيان

هما رضيعا لبان حكمة وتقى ... وساكنا وطن مال وطغيان

من مد طرفا بفرط الجهل نحو هوى ... أغضى عن الحق يوما وهو خزيان

من استشار صروف الدهر قام له ... على حقيقة طبع الدهر برهان

من عاشر الناس لاقى منهم نصبا ... لأن طبعهم بغي وعدوان «٣»

<<  <  ج: ص:  >  >>