للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لو كنت أعجب من شيء لأعجبني ... سعي الفتى وهو مخبوء له القدر

يسعى الفتى لأمور ليس يدركها ... فالنفس واحدة والهم منتشر

والمرء ما عاش ممدود له أمل ... لا تنتهي العين حتى ينتهي الأثر

قال أصحاب الكلام: في طبائع الحيوان ليس لشيء من الفحول، مثل ما للجمل عند هيجانه إذ يسوء خلقه، ويظهر زبده ورغاؤه فلو حمل عليه ثلاثة أضعاف عادته حمل ويقل أكله، ويخرج الشقشقة وهي الجلدة الحمراء التي يخرجها من جوفه، وينفخ فيها فتظهر من شدقه لا يعرف ما هي. قال الليث: ولا تكون إلا لعربي: وفيه نظر قال علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه: «إن الخطب من شقاشق الشيطان» . شبّه الفصيح المنطيق بالفحل الهادر، ولسانه بشقشقته.

وروى الحاكم في حديث فاطمة بنت قيس رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «١» لها: «أما معاوية فصعلوك، وأما أبو الجهم فإني أخاف عليك من شقاشقه» .

والفحل لا ينزو إلا مرّة واحدة في السنة، ويطول فيها مكثه، وينزل فيها مرارا كثيرة، ولذلك يعقبه فتور ووهن والأنثى تلقح إذا مضى لها ثلاث سنين، ولذلك سميت حقة لأنها استحقت ذلك قالوا: والجمل أشد الحيوان حقدا، وفي طبعه الصبر والصولة. وذكر صاحب المنطق أنه لا ينزو على أمه. قال: وقد كان رجل في سالف الدهر ستر ناقة بثوب، ثم أرسل ولدها عليها، فلما عرف ذلك قطع ذكره، ثم حقد على الرجل حتى قتله. وآخر فعل مثل ذلك فلما عرف أنها أمه قتل نفسه. وكل الحيوان له مرارة إلا الإبل، ولذلك كثر صبرها وانقادت وكني الجمل بأبي أيوب. وإنما يوجد على كبدها شيء يشبه المرارة وهي جلدة فيها لعاب يكتحل به ينفع من العشاء العتيق. ومن طبعها أنها تستطيب الشجر الذي له شوك وتهضمه أمعاؤها، ولا تستطيع في غالب الأوقات أن تهضم الشعير. ومن عجيب ما ذهبت إليه العرب أنها إذا أصاب إبلها العرّ كووا السليم ليشفى العليل. وفي هذا المعنى قال «٢» النابغة:

وحملتني ذنب امرىء وتركته ... كذا العر يكوي غيره وهو راتع

وأخذ منه غيره فقال:

غيري جنى وأنا المعاقب فيكم ... فكأنني سبابة المتندم

وأنكر أبو عبيد القاسم بن سلام ذلك.

وروى الجماعة من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: «جاء رجل من بني فزارة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إن امرأتي ولدت غلاما أسود فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «هل لك من إبل» ؟

قال: نعم فما ألوانها؟ قال: حمر. قال صلى الله عليه وسلم: «هل فيها من أورق» ؟ قال: إن فيها لورقا. قال: هو

<<  <  ج: ص:  >  >>