فقال:«اختصم إلي الجن المسلمون والجن المشركون، وسألوني أن أسكنهم فأسكنت المسلمين الجلس، وأسكنت المشركين الغور» . وكل مرتفع من الأرض جلس ونجد وكل منخفض غور.
وفيه أيضا عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: انطلق النبي صلى الله عليه وسلم في طائفة من أصحابه، عامدين إلى سوق عكاظ، وقد حيل بين الشياطين وخبر السماء فرجعت الشياطين إلى قومهم فقالوا: ما لكم قالوا حيل بيننا وبين خبر السماء، وأرسلت علينا الشهب. فقالوا: ما ذاك إلا من شيء حدث، فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها فالتقى الذين أخذوا نحو تهامة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وهم بنخلة عامدين إلى سوق عكاظ، «وهو صلى الله عليه وسلم يصلي بأصحابه صلاة الفجر فلما سمعوا القرآن أنصتوا له، وقالوا: هذا الذي حال بيننا وبين خبر السماء، ورجعوا إلى قومهم فقالوا: إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً
«١» الآيتين «٢» . وهذا الذي ذكره ابن عباس رضي الله عنهما أول ما كان من أمر الجن مع النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم رآهم إذ ذاك، إنما أوحيي إليه بما كان منهم. وفيه أيضا، وفي صحيح مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم، ذات ليلة، ففقدناه فالتمسناه، في الأودية والشعاب، فقلنا: استطير أو اغتيل فبتنا بشر ليلة بات بها قوم، فلما أصبحنا إذا هو جاء من قبل حراء فقلنا: يا رسول الله فقدناك فطلبناك فلم نجدك فبتنا بشر ليلة بات بها قوم! فقال «٣» صلى الله عليه وسلم: «أتاني داعي الجن فذهبت معه فقرأت عليهم القرآن قال: فانطلق بنا فأرانا آثار نيرانهم وسألوه الزاد فقال: لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه، تأخذونه فيقع في أيديكم أوفر ما كان لحما، وكل بعر علف لدوابكم» . ثم قال «٤» صلى الله عليه وسلم: «فلا تستنجوا بهما فإنهما طعام إخوانكم» .
وروى الطبراني بإسناد حسن، عن الزبير بن العوام رضي الله عنه، قال:«صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما صلاة الصبح، في مسجد المدينة، فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أيكم يتبعني إلى وفد الجن الليلة» فسكت القوم ولم يتكلم منهم أحد. قال ذلك ثلاثا، فمر بي يمشي فأخذ بيدي فجعلت أمشي معه حتى تباعدت عنا جبال المدينة كلها، وأفضينا إلى أرض براز وإذا رجال طوال كأنهم الرماح متدثري ثيابهم من بين أرجلهم فلما رأيتهم، غشيتني رعدة شديدة، حتى ما تمسكني رجلاي، من الفرق، فلما دنونا منهم خط لي رسول الله صلى الله عليه وسلم بابهام رجله في الأرض خطا وقال لي «اقعد في وسطه» فلما جلست ذهب عني كل شيء كنت أجده من ريبة، ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بيني وبينهم فتلا قرآنا رفيعا، حتى طلع الفجر، ثم أقبل صلى الله عليه وسلم حتى مر بي فقال:«الحق بي» فجعلت أمشي معه فمضينا غير بعيد، فقال صلى الله عليه وسلم لي:«التفت فانظر هل ترى حيث كان أولئك من أحد؟» فالتفت فقلت: يا رسول الله سوادا كثيرا فخفض رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه إلى الأرض فنظر عظما وروثة «فرمى بهما إليهم» ثم قال «٥» صلى الله عليه وسلم: «هؤلاء وفد جن نصيبين سألوني الزاد فجعلت لهم كل