تكاد تتوقف، حتى تشتعل في غير مكان، كل ذلك كان عائقا في وجه أي نهضة علمية شاملة، ولم يكن من السهل تخطي ذلك الواقع، خصوصا وأن بغداد عاصمة العلم والحضارة في المنطقة كلها قد سقطت وضاع بسقوطها تراث أجيال، في العلوم المختلفة، وتشتت أهل العلم، فمنهم من قضى نحبه، ومنهم من هام على وجهه ينشد الأمن والنجاة، وكان لحسن حظ بعضهم أن يمموا شطر مصر، فأفادوا منها وأعطوها من غزير علومهم، وبذلك تحوّلت الحركة العلمية إلى القاهرة فتوافد أهل العلم من جميع الأقطار الإسلامية، والعربية، إلى عاصمة الخلافة، نظرا لما تحتله هذه العاصمة من مكانة في قلوب أهل الإسلام باعتبارها ترفع راية الجهاد ضد قوى الطغيان والغزو، فضلا عن الرعاية التي لقيها أهل العلم في العهود المختلفة وفي الدولتين.
ورعاية المماليك للعلم والعلماء، تتمثل بإقامتهم للمدارس، وقد اوقفوا لها الأوقاف، واجروا الرواتب على المعلمين والمتعلمين، واهتموا بالمساجد، فعينوا لها الخطباء والأئمة حتى غدت هي أيضا مراكز علمية مشعة، فمن المساجد التي لعبت دورا بارزا في النهضة، الجامع الأزهر وقد ساهم في إحياء العلوم المختلفة، علوم اللغة والطب والرياضيات والموسيقى والحديث النبوي وعلوم القرآن وغير ذلك من علوم العصر، ومن المساجد التي لعبت الدور نفسه، جامع العطارين بالاسكندرية، وجامع دمياط، وجامع اسيوط، وقوص، وقفط. كما رعى السلاطين المدارس الدينية التي كانت تدرس الفقه على المذاهب الأربعة، وجامع عمرو بن العاص الذي كان يضم أربعين حلقة.
ومن الجدير بالذكر، أن ديوان الإنشاء كان من المؤسسات التي ساهمت في الإبقاء على العربية كلغة للتأليف والكتابة، باعتبار أن هذا الديون، هو الأكثر نشاطا في حقل الكتابة، فهو السجل الرسمي للدولة وفيه تدون كافة الوثائق الصادرة، والواردة، وكان يقوم بذلك كتاب أدباء بلغاء عملوا على إغناء العربية بأساليبهم الرفيعة، ولو طغى عليها بعض التصنع في بعض الأحيان.
ولا يفوتنا أن ننوه بما كان للقضاء من دور مميز، هو الآخر، حمل عبئا غير قليل في التّمكين للعربية ولأساليب التعبير من خلال ما يدونه القضاة من عهود ومواثيق وأحكام. ونظرا لما تقدم، فباستطاعتنا أن نرصد مئات الأعلام، علماء وأدباء، فمن المؤرخين أبو المحاسن، يوسف بن تغري بردي المتوفى سنة ٨٧٤ هـ، وشمس الدين السخاوي المتوفى سنة ٩٠٢ هـ، وتقي الدين المقريزي المتوفى سنة ٨٤٥ هـ. وابن إياس المتوفى سنة ٩٣٠ هـ. وفي اللغة والأدب: جلال الدين السيوطي المتوفى سنة ٩١١ هـ والذي تعد مؤلفاته بالعشرات في كل علم وفن: في التفسير والحديث والفقه واللغة والنحو، وابن تيميه المتوفى سنة ٧٢٨ هـ.
ومن الجدير بالذكر أن أهل السلطة كانوا يقربون أهل المعرفة والأدب، ولكنهم تشددوا مع المنحرفين عن الدين، ومع أهل الفلسفة، ومن أهل الفلسفة التفتازاني سعد الدين، وعبد الرحمن الإيجي ونصير الدين الطوسي، وغيرهم.