وبقوله صلى الله عليه وسلم:«أحلت لنا ميتتان ودمان: السمك والجراد والكبد والطحال»«١» . وهذه ميتة ثالثة لم تذكر. ودليل الجمهور أحلت لكم بهيمة الأنعام قال ابن عباس وابن عمر رضي الله تعالى عنهم: بهيمة الأنعام أجنتها توجد ميتة في بطن الأم يحل أكلها بذكاة الأمهات. وهو من أحكام هذه السورة وفيه بعد لأن الله تعالى قال: إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ*
«٢» وليس في الأجنة ما يستثنى وقد تقدم ذلك في باب الباء الموحدة. وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ذكاة الجنين ذكاة أمه» . فجعل إحدى الذكاتين نائبة عن الأخرى، وقائمة مقامها. فإن قيل: إنما أراد التشبيه دون النيابة، فيكون المعنى ذكاة الجنين كذكاة أمه، لأنه قدم الجنين على الأم فصار تشبيها بالأم، ولو أراد النيابة لقدم الأم على الجنين إنما يطلق عليه ما دام مستجنا في بطن أمه، فأما إذا انفصل، فإن الاسم يزول عنه ويسمى ولدا قال الله تعالى: وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ
«٣» وهو في بطن الأم لا يقدر عليه، فوجب حمله على النيابة دون التشبيه. الثاني أنه لو أراد التشبيه دون النيابة، لساوى الأم غيرها، ولم يكن لخصوصية التشبيه بالأم فائدة. الثالث أنه لو أراد التشبيه لنصب ذكاة الأم بحذف كاف التشبيه والروايتان إنما هما برفع ذكاة أمه فثبت أنه أراد النيابة دون التشبيه، فإن قيل: فقد روي ذكاة أمه بالنصب ومعناها كذكاة أمه، فالجواب أن هذه الرواية غير صحيحة ولو سلمت كانت محمولة على نصبها بحذف الياء الموحدة دون الكاف. ويكون معناه ذكاة الجنين بذكاة أمه، ولو احتمل الأمرين لكانتا مستعملتين فتستعمل الرواية المرفوعة في النيابة، إذا خرج ميتا، والرواية المنصوبة في التشبيه إذا خرج حيا فيكون أولى من استعمال إحدى الروايتين وترك الأخرى. ويدل عليه أيضا نص لا يحتمل التأويل، وهو ما رواه أبو سعيد الخدري قال: قلت: يا رسول الله إنا ننحر الناقة ونذبح البقرة والشاة وفي بطونها الجنين أنلقيه أم نأكله؟ فقال عليه الصلاة والسلام:«كلوه إن شئتم فإن ذكاة الجنين ذكاة أمه»«٤» . واستدل الشيخ أبو محمد كما قال الرافعي بأنه لو لم يحل الجنين بذكاة الأم، لما جاز ذبح الأم مع ظهور الحمل. كما لا تقتل الحامل قصاصا ولا حدا. فألزم عليه ذبح رمكة في بطنها بغلة، فمنع ذبحها. والرمكة أنثى الخيل، كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى وهي مأكولة، والبغل لا يؤكل، إذا ثبت هذا فاعلم أن للجنين ثلاثة أحوال ذكرها الماوردي: أحدها أن يكون كاملا كما سبق، ثانيها أن يكون علقة فهذا غير مأكول، لأن العلقة دم، ثالثها أن يكون مضغة، قد انعقد لحمه ولم تبن صورته، ولم تتشكل أعضاؤه، ففي إباحة أكله وجهان: من اختلاف قوليه في وجوب الغرة كونها أم ولد، قال الماوردي، وقال بعض أصحابنا: إذا نفخ فيه الروح لم يؤكل، وإلا أكل، وهذا مما لا سبيل إلى إدراكه ولو خرج الجنين وبه حياة مستقرة، اشترط ذبحه أو غير مستقرة حل بغير ذكاة. ولو خرج رأسه ثم ذكيت الأم قال القاضي والبغوي: