للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الرأيين المتضادين في النفس وجال في صهوة جواده: جال أي وثب، والصهوة مقعد الفارس من ظهر فرسه. والكوماء الناقة العظيمة السنام.

ونظير هذا من الرؤيا المنسية، وليست من أخبار الكهان، وإنما هو خبر نبوي، رؤيا بختنصر، وذلك أن بختنصر، لما غزا بيت المقدس، اختار من سبي بني اسرائل مائة ألف صبي، فكان منهم دانيال عليه السلام، فرأى بختنصر رؤيا ارتاع لها، وحدث له في المنام ما أنساه الرؤيا، فسأل الكهان والسحرة والمنجمين عن ذلك، فقالوا له: إن أخبرتنا عن رؤياك أخبرناك عن تأويلها، فقال: إني قد أنسيتها، ولئن لم تخبروني بها لأنزعن أكتافكم. فخرجوا من عنده مذعورين ثم رجع إليه أحدهم فقال له: أيها الملك، إن لم يكن أحد عنده علم بالرؤيا، فهو دانيال الغلام الإسرائيلي، فأحضره وسأله فقال له دانيال: إن لي ربا عنده علم ذلك، فأجلني فأجله ثلاثا، فخرج دانيال فأقبل على الصلاة والدعاء، فأوحى الله إليه بالرؤيا وبتأويلها، فأتى إلى بختنصر وقال له: إنك رأيت صنما قدماه وساقاه من فخار، وركبتاه وفخذاه من نحاس، وبطنه من فضة، وصدره من ذهب، وعنقه ورأسه من حديد. قال: صدقت: قال دانيال: فبينما أنت تنظر إليه وتتعجب منه، إذ أرسل الله عليه صخرة من السماء فهشمته، فصار رفاتا، ثم عظمت تلك الصخرة، حتى ملأت الدنيا، فهي التي أنستك الرؤيا. قال: صدقت. فما تأويلها؟ قال دانيال: أما الصنم فهو مثل لملوك الدنيا، وكان بعضهم ألين ملكا من بعض، فكان أول الملك الفخار وهو أضعفه، ثم كان فوقه النحاس وهو أفضل منه وأشد، ثم كان فوقه الفضة وهي أفضل وأحسن، ثم كان فوقه الذهب وهو أفضل منها وأحسن من ذلك كله، ثم كان الحديد من فوقه وهو أشد منه، وهو ملكك فهو أشد ملك، وأعز مما كان قبله. وأما الصخرة التي أرسلها الله من السماء، فنبي يبعثه الله في آخر الزمان، فيدق ذلك كله أجمع، وتمتلىء الدنيا بدينه، ويصير الأمر إليه ويقيم له ملكا لا يزول أبدا ما بقي الدهر. فعجب بختنصر مما سمع، وأحسن إلى دانيال وقربه وأعلى منزلته.

وذكر ابن خلكان في ترجمة ابن القرية «١» واسمه أيوب بن زيد بن القرية، بكسر القاف وتشديد الراء المهملة وكسرها بالياء المثناة تحت. وكان أعرابيا مقربا عند الحجاج، أن الحجاج بعثه إلى عبد الرحمن بن الأشعث بن قيس الكندي لما خرج على عبد الملك بن مروان، وخلعه ودعا إلى نفسه، فقال ابن الأشعث: لتقومن خطيبا، ولتخلعن ابن مروان، ولتسبن الحجاج، أو لأضربن عنقك. ففعل ابن القرية ذلك وأقام عند ابن الأشعث، فلما قتل ابن الأشعث بدير الجماجم، في الوقعة التي كانت بينه وبين الحجاج، جىء بابن القرية إلى الحجاج فسأله عن أشياء، فمن كلامه في جواب الحجاج ملخصا: أهل العراق أعلم الناس بحق وباطل. أهل الحجاز أسرع الناس إلى فتنة وأعجزهم فيها. أهل الشأم أطوع الناس لخلفائهم. أهل مصر عبيد من غلب. أهل اليمن أهل طاعة ولزوم جماعة. أرض الهند بحرها در وجبلها ياقوت، وشجرها عود، وورقها عطر.

اليمن أصل العرب وأصل البيوتان والحسب. مكة رجالها علماء حفاة، ونساءها كساة عراة.

<<  <  ج: ص:  >  >>