قال: بالرفاه والبنين، قال: وشرط أهلها أن لا أخرجها من بيتهم، قال: أوف لهم بالشرط، قال:
فأنا أريد الخروج، قال: في حفظ الله، قال: فاقض بيننا، قال: قد فعلت. قال فعلى من حكمت؟ قال: على ابن أمك. قال بشهادة من؟ قال: بشهادة ابن أخت خالك.
وشريح هذا هو ابن الحارث بن قيس الكندي استقضاه عمر رضي الله تعالى عنه على الكوفة، وأقام قاضيا بها خمسا وسبعين سنة، لم يبطل إلا ثلاث سنين، امتنع فيها من القضاء، وذلك أيام فتنة ابن الزبير رضي الله عنهما، فاستعفى الحجاج من القضاء فأعفاه، فلم يقض بين اثنين حتى مات رحمة الله عليه.
وكان شريح من سادات التابعين وأعلامهم، وكان من أعلم الناس بالقضاء، وكان أحد السادات الطلس، وهم أربعة: عبد الله بن الزبير «١» ، وقيس «٢» بن سعد بن عبادة، والأحنف بن «٣» قيس، الذي يضرب بحلمه المثل، ورابعهم شريح هذا والله أعلم.
والأطلس الذي لا شعر بوجهه وروي أن شريحا مرض له ولد، فجزع عليه جزعا شديدا فلما مات لم يجزع. فقيل له في ذلك فقال: إنما كان جزعي رحمة له وإشفاقا عليه، فلما وقع القضاء رضيت بالتسليم. قاله «٤» ابن خلكان وغيره.
قال الإمام أبو الفرج بن الجوزي «٥» رحمه الله تعالى: كتب زياد بن أبيه إلى معاوية:
يا أمير المؤمنين قد ضبطت لك العراق بشمالي وفرغت يميني لطاعتك فولّني الحجاز.
فبلغ ذلك عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وهو بمكة، فقال: اللهم اشغل عنا يمين زياد بما شئت فأصابه الطاعون في يمينه فأجمع رأي الأطباء على قطعها، فاستشار شريحا فيما رآه الأطباء، فأشار عليه بعدم القطع، وقال له: لك رزق مقسوم، وأجل معلوم، وإني أكره، إن كانت لك مدة، أن تعيش في الدنيا بلا يمين، وإن كان قد دنا أجلك أن تلقى الله مقطوع اليد، فإذا سألك لم قطعتها؟ قلت: فرارا من قضائك وبغضا في لقائك. قال: فمات زياد من يومه. فلام الناس شريحا على منعه من القطع لبغضهم له، فقال: إنه استشارني، ولولا أن المستشار مؤتمن، لوددت أنه قطع يوما يده ويوما رجله وسائر أعضائه يوما يوما. اهـ.
وفي هذا المعنى قال أبو الفتح البستي من قصيدة طويلة: