الأعلى ثم من الثاني ثم من الثالث الأسفل فلا ينفد الماء حتى يثوب الماء من السنة المقبلة، فكانت تقسمه بينهم على ذلك والله أعلم.
ونقل: الإمام أبو الفرج بن الجوزي عن الضحاك، أن الجرذ الذي خرب سد مأرب كان له مخاليب وأنياب من حديد، وأن أول من علم بذلك عمرو بن عامر الأزدي وكان سيدّهم وكان قد رأى في المنام، كأنه انبثق عليه الردم، فسال الوادي، فأصبح مكروبا فانطلق نحو الردم، فرأى الجرذ يحفر بمخاليب من حديد، ويقرض بأنياب من حديد، فانصرف إلى أهله فأخبر امرأته وأراها ذلك وأرسل بنيه فنظروا، فلما رجعوا قال: هل رأيتم ما رأيت قالوا نعم قال: فإن هذا الأمر ليس لنا إلى إذهابه من سبيل. وقد اضمحلت الحيلة فيه لأن الأمر من الله، وقد آذن الله بالهلاك ثم إنه عمد إلى هرة فأخذها، وأتى إلى الجرذ فصار الجرذ يحفر ولا يكترث بالهرة، فولت الهرة هاربة فقال عمر ولأولاده: احتالوا لأنفسكم فقالوا: يا أبت كيف نحتال؟ فقال: إني محتال لكم بحيلة قالوا:
افعل فدعا أصغر بنيه وقال له: إذا جلست في المجلس، واجتمع الناس على العادة، وكان الناس يجتمعون إليه وينتهون برأيه، فإني آمرك بأمر فتغافل عنه، فإذا شتمتك فقم إلي والطمني. ثم قال لأولاده: فإذا فعل ذلك فلا تنكروا عليه، ولا يتكلم أحد منكم، فإذا رأى الجلساء فعلكم لم يجسر أحد منهم أن ينكر عليه، ولا يتكلم فأحلف أنا عند ذلك يمينا لا كفارة لها، أن لا أقيم بين أظهر قوم قام إليّ أصغر بني فلطمني فلم يغيروا. فقالوا: نفعل ذلك فلما جلس واجتمع الناس إليه أمر ابنه الصغير ببعض أمره، فلها عنه فشتمه، فقام إليه ولطم وجهه فعجب الجماعة من جراءة ابنه عليه، وظنوا أن أولاده يغيرون عليه فنكسوا رؤسهم! فلما لم يغر أحد منهم، قام الشيخ وقال:
أيلطمني ولدي وأنتم سكوت! ثم حلف يمينا لا كفارة لها أن يتحول عنهم، ولا يقيم بين أظهر قوم لم يغيروا عليه، فقام القوم يعتذرون إليه وقالوا له: ما كنا نظن أن أولادك لا يغيرون، فذاك الذي منعنا. فقال: قد سبق مني ما ترون وليس إلي غير التحول من سبيل. ثم أنه عرض ضياعه للبيع، وكان الناس يتنافسون فيها، واحتمل بثقله وعياله وتحول عنهم، فلم يلبث القوم إلا يسيرا حتى أتى الجرذ على الردم، فاستأصله فبينما القوم ذات ليلة بعد ما هدأت العيون، إذا هم بالسيل فاحتمل أنعامهم وأموالهم وخرب ديارهم، فذلك قوله «١» تعالى: فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ
وفي العرم أقوال: قيل: هو المسناة أي السد. قاله قتادة. وقيل: هو إسم الوادي، قال السهيلي.
وقيل: إسم الخلد الذي خرق السد. وقيل هو السيل الذي لا يطاق. وأما مأرب فبسكون الهمزة إسم لقصر كان لهم. وقيل: هو إسم لكل ملك كان على سبأ، كما أن تبعا إسم لكل من ولي اليمن والشحر وحضر موت، قاله المسعودي. وقال السهيلي: وكان السد من بناء سبأ بن يشجب، وكان قد ساق إليه سبعين واديا ومات من قبل أن يتمه فاتمته ملوك حمير. وإسم سبأ عبد شمس بن يشجب بن يعرب بن قحطان. قيل: إنه أول من سبي فسمي سبأ. وقيل: إنه أول من تتوج من ملوك اليمن، وقال المسعودي: بناه لقمان بن عاد وجعله فرسخا في فرسخ، وجعل له ثلاثين شعبا فأرسل الله عليه سيل العرم، وفرقوا ومزقوا حتى صاروا مثلا. فقالوا: «تفرقوا أيدي سبأ وأيادي