هو ما ترى لا علم لي بأمره، إلا أنه حمل إلى أمير المؤمنين، مع كتاب مختوم فيه ذكر حاله، لم أقف عليه، انتهى. وهذا الخبر قد رواه لحافظ أبو طاهر السلفي على غير هذه الطريقة، وهو ما أخبر به موسى الرضي قال: قال أبو الحسن علي بن محمد: دخلت على أحمد بن أبي داؤد، وعن يمينه قمطر فقال لي: اكشف وانظر العجب، فكشفت فخرج علي رجل طوله شبر من وسطه إلى أعلاه رجل، ومن وسطه إلى أسفله صورة زاغ ذنبا ورجلا، فقال لي: من أنت؟ فانتسبت له ثم سألته عن اسمه فقال:
أنا الزاغ أبو عجوه ... حليف الخمر والقهوه
ولي أشياء لا تنكر ... يوم القصف في الدعوه
فمنها سلعة في الظهر ... لا تسترها الفروه
ومنها سلعة في الصدر ... لو كان لها عروه
لما شك جميع الناس ... حقا أنها ركوه
ثم قال أنشدني شيئا في الغزل فأنشدته:
وليل في جوانبه فضول ... من الإظلام أطلس غيهبان «١»
كأن نجومه دمع حبيس ... ترقرق بين أجفان الغواني «٢»
فصاح وا أبي وأمي! ورجع إلى القمطر وستر نفسه، فقال ابن أبي دؤاد: وعاشق أيضا! قال ابن خلكان في ترجمة يحيى بن أكثم: إنه لما ولي البصرة، كان سنه نحو عشرين سنة، فاستصغره أهل البصرة، وقالوا له: كم سن القاضي؟ فعلم أنهم استصغروه، فقال: أنا أكبر من عتاب بن أسيد الذي وجه به النبي عليه الصلاة قاضيا على مكة يوم الفتح، ومن معاذ بن جبل الذي وجه به النبي صلى الله عليه وسلم قاضيا على اليمن، ومن كعب بن سور الذي وجه به عمر رضي الله تعالى عنه قاضيا على البصرة، فجعل جوابه احتجاجا. قيل: لما أراد المأمون أن يولي رجلا القضاء، وصف له يحيى بن أكثم فاستحضره، فرآه دميم الخلق فاستحقره، فعلم يحيى ذلك فقال: يا أمير المؤمنين سلني إن كان القصد علمي لا خلقي. فسأله فأجابه، فقلده القضاء. قال: ولم يعلم أحد غلب على سلطانه في زمانه إلا يحيى بن أكثم وأحمد بن أبي دؤاد «٣» المعتزلي وكان حنيفا، ولم يكن على الإمام أحمد رحمه الله تعالى في محنته أشد منه. وسيأتي ذكر طرف من محنته في باب الكاف، في لفظ الكلب إن شاء الله تعالى. قال: وكانت كتب يحيى في الفقه أجل كتب، فتركها الناس لطولها، وكان ليحيى يوم في الإسلام لم يكن لأحد مثله، وهو أن المأمون كان في طريق الشام فأمر فنودي بتحليل المتعة ولم يستطع أحد أن يحتج عليه في تحريمها غير يحيى، فقرر عنده تحريم المتعة، فقال المأمون: أستغفر الله تعالى، نادوا بتحريم نكاح المتعة.