أبو بكر بن العربي المالكي الإمام العلامة: ليس لله تعالى خلق أحسن من الإنسان، فإن الله تعالى خلقه حيا عالما قادرا متكلما سميعا بصيرا مدبرا حكيما، وهذه صفات الرب جل وعلا وعنها وقع البيان بقوله صلى الله عليه وسلم:«إن الله تعالى خلق آدم على صورته يعني «١» على صفاته، التي قدمنا ذكرها.
قلت: وهنا مجال رحب لأصحاب الكلام في أصول الدين أضربنا عنه، إذ ليس هو من غرضنا في هذا الكتاب.
وروى أبو بكر المتقدم ذكره، بإسناده أن موسى بن عيسى «٢» الهاشمي، كان يحب زوجته حبا شديدا فقال لها يوما: أنت طالق ثلاثا، إن لم تكوني أحسن من القمر، فاحتجبت عنه، وقالت: طلقت. فبات بليلة عظيمة، فلما أصبح أتى المنصور وأخبره بذلك، فاستحضر الفقهاء، وسألهم عن ذلك؟ فأجاب كل منهم بالطلاق، إلا واحدا منهم، فقال: لا تطلق لقوله تعالى «٣» :
. فقال المنصور: الأمر كما ذكرت، ثم أرسل إلى زوجته بذلك. وهذا الجواب ينقل عن الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه، وعندي في قوله: موسى بن عيسى نظر، والذي أظنه أنه عيسى بن موسى فإنه كان ولي عهد المنصور، ثم خلعه من ولاية العهد لولده المهدي، وقد تقدم أن الشافعي رضي الله تعالى عنه، ولد في سنة خمسين ومائة، والمنصور كانت وفاته على ما ذكره ابن خلكان وغيره في سنة ثمان وخمسين ومائة، فكيف يتصور أن يكون الشافعي المفتي في هذه الواقعة؟ فليتأمل ذلك.
قلت: وقد أذكرتني هذه الحكاية، ما ذكره الزمخشري، عند قوله «٤» تعالى: وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ
أن عمران بن حطان «٥» الخارجي كان شديد السواد، وكانت امرأته من أجمل النساء، فأطالت نظرها في وجهه يوما وقالت: الحمد لله فقال: ما لك؟ فقالت: حمدت الله تعالى على أني وإياك في الجنة. قال: كيف؟ قالت: لأنك رزقت مثلي فشكرت، ورزقت مثلك فصبرت وقد وعد الله عباده الصابرين والشاكرين الجنة. وذكر «٦» ابن الجوزي في الأذكياء وغيره أن عمران بن حطان هذا كان أحد الخوارج، وهو القائل يمدح عبد الرحمن بن ملجم لعنهما الله على قتل علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه:
يا ضربة من تقى ما أراد بها ... إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا
إني لأذكره يوما فأحسبه ... أوفى البرية عند الله ميزانا