للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتعالى قد أحسن قسمتك، هذا شيخنا وسيدنا وعنه نأخذ أصل ديننا، وحلالنا وحرامنا، فلا يغرنك عموشة عينيه ولا خموشة ساقيه. فغضب الأعمش وقال له: يا خبيث أعمى الله قلبك، قد أخبرتها بعيوبي ثم أخرجه من بيته. ومنها أن إبراهيم النخعي أراد أن يماشيه فقال له الأعمش: إن رآنا الناس معا قالوا: أعور وأعمش! فقال النخعي: وما عليك أن يأثموا ونؤجر! فقال له الأعمش:

وما عليك أن يسلموا ونسلم. ومنها أنه جلس يوما في موضع فيه خليج من ماء المطر، وعليه فروة خلقة، فجاءه رجل وقال: قم عدني هذا الخليج وجذب بيده، فأقامه وركبه، وقال:

سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ

«١» ، فمضى به الأعمش حتى توسط الخليج ورمى به، وقال: وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبارَكاً وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ

«٢» ، ثم خرج وتركه يتخبط في الماء. ومنها أن رجلا جاء إلى الأعمش يطلبه، فقيل له: خرج مع امرأة إلى المسجد، فجاءه فوجدهما في الطريق، فقال أيكما: الأعمش؟ فقال الأعمش: هذه وأشار إلى المرأة. ومنه أنه عاده أقوام في مرضه، فأطالوا الجلوس عنده، فأخذ وسادته وقام ثم قال: شفى الله مريضكم فانصرفوا. ومنها أنه ذكر عنده يوما قوله «٣» صلى الله عليه وسلم: «من نام عن قيام الليل بال الشيطان في أذنه» . فقال: ما عمشت عيناي إلا من بول الشيطان في أذني. وكتب «٤» إلى بعض إخوانه يعزيه:

إنا نعزيك لا أنا على ثقة ... من البقاء ولكن سنة الدين

فلا المعزّى بباق بعد ميته ... ولا المعزّي وإن عاشا إلى حين

توفي رحمه الله سنة سبع وقيل ثمان وقبل تسع وأربعين ومائة.

وفيه أيضا أنه لما ولي عبد الله بن الزبير الخلافة بمكة، ولى أخاه مصعب بن الزبير المدينة، وأخرج منها مروان بن الحكم وابنه، فصار إلى الشام ولم يزل يقيم للناس الحج من سنة أربع وستين إلى سنة اثنتين وسبعين، فلما ولي عبد الملك بن مروان منع أهل الشام من الحج من أجل ابن الزبير، لأنه كان يأخذ الناس بالبيعة له إذا حجوا، فضج الناس لما منعوا من الحج، فبنى عبد الملك قبة الصخرة فكان الناس يقفون عندها يوم عرفة. ويقال: إن ذلك كان سبب التعريف في بيت المقدس ومساجد الأمصار. وقيل: إن أول من سن التعريف بالبصرة عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما، وبمصر عبد العزيز بن مروان، وببيت المقدس عبد الملك بن مروان.

ولما قتل عبد الملك مصعب بن الزبير، وأراد الرجوع، قام إليه الحجاج فقال: إني رأيت في منامي أني أخذت عبد الله بن الزبير فسلخته، فولني قتاله. فبعثه في جيش كثيف من أهل الشام، فحصر ابن الزبير، ورمى الكعبة بالمنجنيق. فلما رمى به أرعدت السماء وأبرقت فخاف أهل الشام، فصاح الحجاج هذه صواعق تهامة، وأنا ابنها، ثم قام ورمى بنفسه فزاد ذلك وجاءت صاعقة تتبعها أخرى فقتلت من أصحابه اثني عشر رجلا، وزاد خوف أهل الشام، فلما أصبحوا صعقت السماء فقتلت بعض أصحاب ابن الزبير، فقال الحجاج لأصحابه: اثبتوا فإنه مصيبهم ما

<<  <  ج: ص:  >  >>