موسى صلى الله عليه وسلم، لما أحكم التوراة وعلم ما فيها، قال في نفسه: لم يبق في الأرض أحد أعلم مني، من غير أن يتكلم مع أحد، فرأى في منامه كأن الله تعالى أرسل السماء بالماء، حتى غرق ما بين المشرق والمغرب، فرأى قناة على البحر، فيها صردة، فكانت الصردة تجيء للماء الذي غرق الأرض، فتنقل الماء بمنقارها، ثم تدفعه في البحر، فلما استيقظ الكليم هاله ذلك، فجاءه جبريل، فقال:
ما لي أراك يا موسى كئيبا! فأخبره بالرؤيا، فقال: إنك زعمت أنك استغرقت العلم كله، فلم يبق في الأرض من هو أعلم منك، وإن لله تعالى عبدا علمك في علمه، كالماء الذي حملته الصردة بمنقارها، فدفعته في البحر. فقال: يا جبريل من هذا العبد؟ قال: الخضر بن عاميل من ولد الطيب، يعني إبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم، فقال: من أين أطلبه؟ قال: اطلبه من وراء هذا البحر. فقال:
من يدلني عليه؟ قال. بعض زادك. قالوا: فمن حرصه على لقياه لم يستخلف على قومه، ومضى لوجهه، وقال لفتاه يوشع بن نون: هل أنت موازري؟ قال: نعم. قال: اذهب فاحمل لنا زادا، فانطلق يوشع، فاحتمل أرغفة وسمكة مالحة عتيقة، ثم سارا في البحر، حتى خاضا وحلا وطينا، ولقيا تعبا ونصبا، حتى انتهيا إلى صخرة ناتئة في البحر، خلف بحر أرمينية، يقال لتلك الصخرة قلعة الحرس، فأتياها فانطلق موسى ليتوضأ، فاقتحم مكانا، فوجد عينا من عيون الجنة، في البحر، فتوضأ منها وانصرف، ولحيته تقطر ماء.
وكان عليه الصلاة والسلام حسن اللحية، ولم يكن أحد أحسن لحية منه، فنفض موسى لحيته، فوقعت قطرة منها على تلك السمكة المالحة، وماء الجنة لا يصيب شيئا ميتا إلا عاش، فعاشت السمكة ووثبت في البحر، فسارت وصار مجراها في البحر سربا يبسا، ونسي يوشع ذكر السمكة، فلما جاوزا، قال موسى لفتاه آتِنا غَداءَنا
«١» الآية فذكر له أمر السمكة، فقال له:
ذلك الذي نريده فرجعا يقصان أثرهما، فأوحى الله تعالى إلى الماء فجمد، وصار سربا على قامة موسى وفتاه، فجرى الحوت أمامهما حتى خرج إلى البر وسار، فسار مسيره لهما جادة، فسلكاها فناداهما مناد من السماء، أن دعا الجادة فإنها طريق الشياطين إلى عرش ابليس، وخذا ذات اليمين، فأخذا ذات اليمين حتى انتهيا إلى صخرة عظيمة، وعندها مصلى، فقال موسى عليه السلام: ما أحسن هذا المكان! ينبغي أن يكون للعبد الصالح، فلم يلبثا أن جاء الخضر عليه السلام، حتى انتهى إلى ذلك المكان والبقعة، فلما قام عليها اهتزت خضراء، قالوا: وإنما سمي الخضر، لأنه لا يقوم على بقعة بيضاء إلا صارت خضراء. فقال موسى عليه الصلاة والسلام:
السلام عليك يا خضر. فقال: وعليك السلام يا موسى، يا نبي بني إسرائيل. فقال: ومن أدراك من أنا؟ قال: أدراني الذي دلك على مكاني، فكان من أمرهما ما كان، وما قصه القرآن العظيم انتهى.
وقد تقدم ذكرهما أيضا في باب الحاء المهملة في الحوت، ونقلنا الخلاف في اسم الخضر ونسبه ونبوته، قال القرطبي: ويقال له الصرد الصوام.
روينا في معجم عبد الغني بن قانع، عن أبي غليظ أمية بن خلف الجمحي، قال: رآني