والحسنة، والغالب أن يكون فيما يسر، وقد يكون فيما يسوء. وأما الطيرة، فإنها لا تكون إلا فيما يسوء.
قال العلماء: إنما أحب الفأل، لأن الإنسان إذا أمل فضل الله تعالى كان على خير، وإذا قطع رجاءه من الله تعالى كان على سوء. والطيرة فيها سوء ظن وتوقع البلاء، وفي الحديث قالوا:
يا رسول الله لا يسلم منا أحد من الطيرة والحسد والظن فما نصنع؟ قال صلى الله عليه وسلم:«إذا تطيرت فامض، وإذا حسدت فلا تبغ، وإذا ظننت فلا تتحقق» . رواه الطبراني وابن أبي الدنيا، وسيأتي إن شاء الله تعالى الكلام على الطيرة في باب اللام، في اللقحة أيضا.
قال في مفتاح دار السعادة: واعلم أن التطير، إنما يضر من أشفق منه وخاف، وأما من لم يبال به ولم يعبأ به، فلا يضره البتة لا سيما إن قال عند رؤية ما يتطير به أو سماعه: اللهم لا طير إلا طيرك، ولا خير إلا خيرك، ولا إله غيرك، اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت، ولا يذهب بالسيآت إلا أنت، ولا حول ولا قوة إلا بك. وأما من كان معتنيا بها فهي أسرع إليه من السيل إلى منحدره، وقد فتحت له أبواب الوساوس فيما يسمعه ويراه، ويفتح له الشيطان فيها من المناسبات البعيدة والقريبة، ما يفسد عليه دينه وينكد عليه معيشته انتهى.
وقال ابن عبد الحكم: لما خرج عمر بن عبد العزيز من المدينة، قال رجل من لخم: نظرت فإذا القمر في الدبران، فكرهت أن أقول له فقلت: ألا تنظر إلى القمر ما أحسن استواءه في هذه الليلة! فنظر عمر فإذا هو في الدبران، فقال: كأنك أردت أن تعلمني بأنه في الدبران، أنا لا نخرج بشمس ولا بقمر، ولكنا نخرج بالله الواحد القهار. وقال ابن خلكان: ومن قبيح ما وقع لأبي نواس أن جعفر بن يحيى البرمكي بنى دارا استفرغ فيها جهده، فلما كملت وانتقل إليها صنع فيها أبو نواس قصيدة «١» امتدحه بها أولها:
أربع البلى إنّ الخشوع لبادى ... عليك وإني لم أخنك ودادي
سلام على الدنيا إذا ما فقدتم ... بني برمك من رائحين وغادي
فتطير منها بنو برمك، وقالوا: نعيت لنا أنفسنا يا أبو نواس، فما كانت إلا مديدة، حتى أوقع بهم الرشيد وصحّت الطّيرة. وذكر الطبري والخطيب البغدادي وابن خلكان وغيرهم، أن جعفر بن يحيى البرمكي، لما بنى قصره، وتناهى بنيانه، وكمل حسنه، وعزم على الانتقال إليه، جمع المنجمين لاختيار وقت ينتقل فيه إليه، فاختاروا له وقتا في الليل، فخرج في ذلك الوقت والطرق خالية، والناس هادئون فرأى رجلا قائما يقول:
تدبر بالنجوم ولست تدري ... وربّ النجم يفعل ما يشاء
فتطير ووقف، ودعا بالرجل وقال له: أعد ما قلت فأعاده، فقال: ما أردت بهذا؟ قال: ما أردت به معنى من المعاني، ولكنه شيء عرض لي وجاء على لساني، فأمر له بدينار ومضى لوجهه، وقد تنغص سروره وتكدر عيشه فلم يكن إلا قليل حتى أوقع بهم الرشيد. وسيأتي إن شاء الله تعالى ذكر قتله في باب العين المهملة، في العقاب. وفي التمهيد لابن عبد البر، من حديث المقبري عن