وعجل هذه الأمة الدينار والدرهم» . قال حجة الإسلام الغزالي: وكان أصل عجل قوم موسى، من حلية الذهب والفضة. وقال الجوهري: قال بعضهم في قوله تعالى: عِجْلًا جَسَداً*
«١» أي من ذهب أحمر انتهى.
والسبب في عبادة بني إسرائيل العجل، أن موسى عليه الصلاة والسلام وقت الله تعالى له ثلاثين ليلة، ثم أتمها بعشر، فلما عبر بهم البحر في يوم عاشوراء، بعد مهلك فرعون، وقومه، مروا على قوم لهم أوثان يعبدونها من دون الله تعالى. على تماثيل البقر، قال ابن جريج: وكان ذلك أول شأن العجل، فقال بنو إسرائيل لما رأوا ذلك: يا موسى اجعل لنا إلها أي تمثالا نعبده كما لهم آلهة. ولم يكن ذلك شكا من بني إسرائيل في وحدانية الله تعالى. وإنما معناه اجعل لنا شيئا نعظمه ونتقرب بتعظيمه إلى الله، وظنوا أن ذلك لا يضر الديانة، وكان ذلك لشدة جهلهم. كما قال تعالى: إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ
«٢» وكان موسى عليه الصلاة والسلام وعد بني إسرائيل، وهم بمصر أن الله إذا أهلك عدوهم أتاهم بكتاب فيه بيان ما يأتون وما يذرون. فلما فعل الله ذلك لهم، سأل موسى ربه الكتاب، فأمره بصوم ثلاثين يوما، فلما تمت الثلاثون أنكر خلوف فمه، فاستاك بعود خروب، وقيل: أكل من لحاء شجرة، فقالت له الملائكة: كنا نشم من فيك رائحة المسك فأفسدتها بالسواك، فأتمها بعشر، فلما مضت ثلاثون، كانت فتنتهم في العشر التي زادها.
وكان السامري من قوم يعبدون البقر، وكان قد أظهر الإسلام، وفي قلبه من حب عبادة البقر شيء، فابتلى الله به بني إسرائيل، فقال لهم السامري، واسمه موسى بن ظفر: ائتوني بحلي بني إسرائيل، فجمعوا له، فاتخذ لهم منه عجلا جسدا، له خوار، وألقي في فمه قبضة من تراب أثر فرس جبريل، فتحول عجلا جسدا لحما ودما له خوار وهو صوت البقر. كذا قاله ابن عباس والحسن وقتادة، وأكثر أهل التفسير، وهو الأصح كما في البغوي وغيره. وقيل: كان جسدا مجسدا من ذهب لا روح فيه، وكان يسمع منه صوت. وقيل: إنه ما خار إلا مرة واحدة، فعكف عليه القوم للعبادة، من دون الله تعالى، يرقصون حوله ويتواجدون. وقيل إنه كان يخور كثيرا، كلما خار سجدوا له، وإذا سكت رفعوا رؤوسهم، وقال وهب: كان يسمع منه الخوار ولا يتحرك. وقال السدي: كان يخور ويمشي، والجسد بدن الإنسان، ولا يقال لغيره من الأجسام المغتذية جسد وقد يقال للجن أجساد، فكان عجل بني إسرائيل جسدا يصيح، كما تقدم. ولا يأكل ولا يشرب، قال الله تعالى: وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ
«٣» أي حب العجل. وقال تعالى عن إبراهيم عليه السلام: فَجاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ
«٤» قال قتادة: كان عامة مال إبراهيم عليه السلام البقر. واختار سمينا زيادة في إكرامهم. وقال القرطبي: العجل في بعض اللغات الشاة، ذكره القشيري.
وكان عليه الصلاة والسلام مضيافا، وحسبك أنه وقف للضيافة أوقافا تمضيها الأمم على اختلاف أديانها وأجناسها. قال عون بن شداد: مسح جبريل عليه السلام العجل بجناحه، فقام مسرعا حتى لحق بأمه.