فقال: قد أساء قائل هذا أيعلم الغيب إذا لم يوصه كيف يعلم ما في نفسه؟ هلا قال:
إذا أرسلت في أمر رسولا ... فأفهمه وأرسله أديبا
ولا تترك وصيته بشيء ... وإن هو كان ذا عقل أريبا
فإن ضيعت ذاك فلا تلمه ... على أن لم يكن علم الغيوبا
وفي تاريخ ابن خلكان وغيره من التواريخ، أن الزمخشري «١» كان مقطوع الرجل، فسئل عن ذلك. فقال: دعاء الوالدة، وذلك أني كنت في صباي أمسكت عصفورا وربطته بخيط في رجله، فأفلت من يدي وأدركته وقد دخل في خرق من الجدار، فجذبته فانقطعت رجله بالخيط، فتألمت والدتي لذلك، وقالت: قطع الله رجل الأبعد كما قطعت رجله! فلما وصلت إلى سن الطلب، رحلت إلى بخارى لطلب العلم، فسقطت عن الدابة فانكسرت رجلي، وعملت عملا أوجب قطعها.
وفي الحلية للحافظ أبي نعيم، في ترجمة زين العابدين، قال أبو حمزة اليماني: كنت عند علي بن الحسين، فإذا عصافير يطرن حوله ويصرخن، فقال: يا أبا حمزة هل تدري ما تقول هذه العصافير؟ قلت: لا. قال: إنها تقدس ربها جل وعلا، وتسأله قوت يومها.
وفي الصحيحين وسنن النسائي وجامع الترمذي، من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما عن أبي بن كعب وأبي هريرة رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«قام موسى خطيبا في بني إسرائيل، فسئل أي الناس أعلم فقال: أنا أعلم، فعتب الله تعالى عليه إذا لم يرد العلم إليه، فأوحى الله إلى موسى، أن عبدا من عبادي، بمجمع البحرين هو أعلم منك»«٢» .
وفي الرواية الأخرى أنه قيل له: هل تعلم أحدا أعلم منك؟ قال موسى: لا فأوحى الله تعالى إلى موسى، بل عبدنا خضر. فقال: يا رب وكيف به؟ فقال له: احمل حوتا في مكتلك، فإذا فقدته فهو، ثم انطلق، وانطلق معه فتاه يوشع بن نون، وحملا حوتا في مكتل، حتى إذا كانا عند الصخرة، وضعا رؤوسهما، فناما وانسل الحوت من المكتل، فاتخذ سبيله في البحر سربا، وكان لموسى ولفتاه عجبا، فانطلقا بقية ليلتهما ويومهما حتى أصبحا، فقال موسى لفتاه: آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا. ولم يجد موسى شيئا من النصب حتى جاوز المكان الذي أمر به. فقال له فتاه: أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت. قال موسى: ذلك ما كنا نبغي فارتدا على آثارهما قصصا، فلما انتهيا إلى الصخرة، إذا رجل مسجى بثوب أو قال: تسجى بثوبه فسلم موسى.
وفي الرواية الأخرى وكان يتبع أثر الحوت في البحر، فقال الخضر: وأني بأرضك السلام فقال: أنا موسى. قال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم. ثم قال: هل أتبعك على أن تعلمني مما