للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لسانه، فإنه يغلب الخصم في المقاولة، ويبقى مقضي الحاجة. وسيأتي إن شاء الله تعالى في باب النون نظير هذا، في لفظ النسر.

وأول من صاد بها وأدبها أهل المغرب، يحكى أن قيصر ملك الروم أهدى إلى كسرى ملك فارس عقابا، وكتب إليه علمها فإنها تعمل عملا لا يدركه أكثر الصقور، فأمر بها فعلمت وصاد بها فأعجبته ثم جوعها ليصيد بها، فوثبت على صبي من حاشيته فقتلته. فقال كسرى: غزانا قيصر في بلادنا بغير جيش. ثم أهدى كسرى إليه نمرا أو فهدا، وكتب إليه: قد بعثت إليك بما تقتل به الظباء وما قرب منها من الوحش، وكتم عليه ما صنعته العقاب، فأعجب به قيصر، إذ وافقت صفته ما وصف، فغفل عنه يوما، فافترس فتى من بعض فتيانه. فقال: صادنا كسرى فإن كنا قد صدناه فلا بأس، فلما بلغ ذلك كسرى قال: أنا أبو ساسان.

وذكر ابن خلكان، في ترجمة «١» جعفر بن يحيى البرمكي وغيره، عن الأصمعي قال: لما قتل الرشيد جعفرا، طلبني ليلا فجئته وأنا خائف، فأومأ إليّ بالجلوس فجلست، فالتفت إليّ وقال:

أبيات أحببت أن تسمعها، قلت: إن شاء أمير المؤمنين فأنشدني:

لو أن جعفر خاف أسباب الردى ... لنجا به منها طمر ملجم

ولكان من حذر المنية حيث لا ... يرجو اللحاق به العقاب القشعم

لكنه لما أتاه يومه ... لم يدفع الحدثان عنه منجم

فعلمت أنها له فقلت: إنها أحسن أبيات. فقال: الحق الآن بأهلك. ففكرت فلم أعرف لذلك معنى إلا أنه أراد أن يسمعني شعره وأحكيه.

وقد حكى أهل التاريخ، في سبب قتل جعفر حكايات مختلفة، منها ما روي عن أبي محمد اليزيدي، أنه قال: من قال إن الرشيد قتل جعفرا بغير سبب يحيى بن عبد الله العلوي فلا تصدقه، وذلك أن الرشيد دفع يحيى إلى جعفر فحبسه، ثم إن جعفر بن حسن، دعا به ليلة من الليالي، وسأله عن أمره فأجابه، ثم إن يحيى قال له: اتق الله فيّ يا جعفر، ولا تتعرض إلى دمي، فيكون رسول الله صلى الله عليه وسلم خصمك يوم القيامة، فو الله ما أحدثت حدثا، ولا آويت محدثا. فرق له جعفر وأطلقه بعد أن استحلفه أن لا يحدث حدثا، وبعث معه من أوصله إلى مأمنه. فنقل ذلك إلى الرشيد، فقال لجعفر: ما فعل بيحيى بن عبد الله؟ قال: على حاله يا أمير المؤمنين في السجن، والأكبال الثقيلة، فقال: بحياتي؟ فأحجم لها جعفر. وكان من أصح الناس فكرا، فهجس في نفسه أنه قد علم شيئا من أمره. فقال: لا وحياتك يا أمير المؤمنين، بل أطلقته، لعلمي أن لا مكروه لديه، فأظهر الرشيد الاستحسان لذلك، وأسرها في نفسه، وقال: نعم ما فعلت، ما عدوت عما كان في خاطري. فلما خرج، أتبعه الرشيد بصره، وقال: قتلني الله بسيوف العدا على الضلالة إن لم أقتلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>