للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وثلاثين سنة. ثم صلب رأسه على الجسر وصلب كل قطعة على جسر، فلم يزل كذلك حتى مر عليه الرشيد عند خروجه إلى خراسان، فقال: ينبغي أن يحرق هذا فأحرق. ولما قتله أحاط بجميع البرامكة وأتباعهم، ونودي أن لا أمان لهم إلا لمحمد بن خالد بن برمك وولده وجماعته، لما عرف من براءة محمد بن خالد وولده وجماعته.

وقيل: إن علية بنت المهدي قالت للرشيد: لأي شيء قتلت جعفر؟ فقال: لو علمت أن قميصي يعلم سبب قتل جعفر لأحرقته! ولما صلب جعفر وقف عليه يزيد الرقاشي وقال «١» من أبيات:

أما والله لولا خوف واش ... وعين للخليفة لا تنام

لطفنا حول جذعك واستلمنا ... كما للناس بالحجر استلام

فما أبصرت قبلك يا ابن يحيى ... حساما فلّه السيف الحسام

على اللذات والدنيا جميعا ... لدولة آل برمك السلام

فبلغ الرشيد مقالته فأحضره، وقال: ما حملك على ما فعلت وقد بلغك ما توعدنا به كل من يقف عليه أو يرثيه؟ قال: كان يعطيني كل سنة ألف دينار، فأمر له الرشيد بألفي دينار، وقال: هي لك منا مادمنا في قيد الحياة.

ويروى أن امرأة وقفت على جعفر ونظرت إلى رأسه معلقا، فقالت: أما والله لئن صرت اليوم آية، لقد كنت في المكارم غاية ثم أنشدت تقول «٢» :

ولما رأيت السيف خالط جعفرا ... ونادى مناد للخليفة في يحيى

بكيت على الدنيا وأيقنت أنما ... قصارى الفتى يوما مفارقة الدنيا

وما هي إلا دولة بعد دولة ... تخول ذا نعمى وتعقب ذا بلوى

إذا أنزلت هذا منازل رفعة ... من الملك حطّت ذا إلى الغاية السفلى

ثم مرت كأنها الريح ولم تقف.

ولما بلغ سفيان بن عيينة قتل جعفر، وما نزل بالبرامكة حول وجهه إلى القبلة، وقال:

اللهم إن جعفرا كان قد كفاني مؤونة الدنيا فاكفه مؤونة الآخرة. وكان جعفر من الكرم والعطاء على جانب عظيم، وأخباره في ذلك مشهورة، وفي الدفاتر مسطورة، ولم يبلغ أحد من الوزراء منزلة بلغها جعفر من الرشيد، وكان الرشيد يسميه أخا، ويدخله معه في ثوبه، وأن الرشيد، لما قتل جعفرا، خلد أباه يحيى في السجن. وكانت البرامكة في الغاية من الجود والكرم كما هو مشهور عنهم. وكانت مدة وزارتهم للرشيد سبع عشرة سنة.

<<  <  ج: ص:  >  >>