للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقارب فقد دنا الأمر، وأخبروه بهذه الخصال التي أخبركم بها: يا عمر إذا ظهرت هذه الخصال في أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فالهرب الهرب إذا استغنى الرجال بالرجال، والنساء بالنساء، وانتسبوا إلى غير مناسبهم، وإنتموا إلى غير مواليهم، ولم يرحم كبيرهم صغيرهم، ولم يوقر صغيرهم كبيرهم، وترك الأمر بالمعروف، فلم يؤمر به وترك النهي عن المنكر فلم ينه عنه، وتعلم عالمهم العلم ليجلب به الدنيا، وكان المطر قيظا والولد غيظا، وطولوا المنارات وفضضوا المصاحف، وزخرفوا المساجد وأظهروا الرشا وشيدوا البناء، واتبعوا الهوى وباعوا الدين بالدنيا، وقطعت الأرحام ومنعت الأحكام، وأكلوا الرباء وحاز الغني عزا، والفقير ذلا، وخرج الرجل من بيته، فقام إليه من هو خير منه فسلم عليه، وركبت الفروج السروج. ثم غاب عنهم فلم يروه. فكتب نضلة إلى سعد بذلك، فكتب سعد بذلك إلى عمر، رضي الله تعالى عنهم أجمعين، فكتب إليه عمر رضي الله تعالى عنه: سر أنت بنفسك ومن معك، من المهاجرين والأنصار، حتى تنزلوا بهذا الجبل، فإن لقيته فاقرئه مني السلام، فخرج سعد رضي الله تعالى عنه، في أربعة آلاف فارس من المهاجرين والأنصار وأبنائهم، حتى نزلوا بذلك الجبل، ومكث سعد رضي الله تعالى عنه أربعين يوما ينادي بالصلاة، فلا يجد جوابا ولا يسمع خطابا فكتب بذلك إلى عمر رضي الله تعالى عنه.

وعمر رضي الله تعالى عنه أول من أرخ التاريخ وذلك في سنة ست عشرة، وفيها كان فتح بيت المقدس صلحا. وفيها نزل سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه الكوفة ومصرّها، وهو أول من دون الدواوين ومصر الأمصار وحقق كلمته في إعلاء كلمة الله تعالى، ففتح الله تعالى على يديه مواضع عديدة ففتح رضي الله تعالى عنه دمشق ثم الروم ثم القادسية، ثم انتهى الفتح إلى حمص وحلوان والرقة والرها وحران ورأس العين وخابور ونصيبين وعسقلان وطرابلس، وما يليها من الساحل وبيت المقدس وبيسان واليرموك والأهواز وقيسارية ومصر وتستر ونهاوند والري وما يليها، وأصبهان وبلاد فارس واصطخر وهمذان والنوبة والبرلس والبربر وغير ذلك وكانت درته أهيب من سيف الحجاج، وهابه ملوك فارس والروم وغيرهم، ومع ذلك كله بقي على حاله كما كان قبل الولاية في لبسه وزيه وأفعاله وتواضعه يسير منفردا في حضره وسفره من غير حرس ولا حجاب لم تغيره الإمرة، ولم يستطل على مسلم بلسانه، ولا حابى أحدا في الحق، وكان لا يطمع الشريف في حيفه، ولا ييأس الضعيف من عدله، ولا يخاف في الله لومة لائم. ونزّل نفسه رضي الله تعالى عنه، من مال الله تعالى منزلة رجل من المسلمين، وجعل فرضه كفرض رجل من المهاجرين، وكان يقول: أنا في مالكم كولي مال اليتيم، إن استغنيت استعففت، وإن افتقرت أكلت بالمعروف أراد بذلك أنه يأكل ما تقوم به بنيته ولا يتعداه، وقال مجاهدا: تذاكر الناس في مجلس ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، فأخذوا في فضل أبي بكر ثم في فضل عمر رضي الله تعالى عنهما، فلما سمع ابن عباس ذكر عمر رضي الله تعالى عنه، بكى بكاء شديدا حتى أغمي عليه، ثم قال:

رحم الله عمر قرأ القرآن وعمل بما فيه فأقام حدود الله كما أمر لا تأخذه في الله لومة لائم لقد رأيت عمر رضي الله تعالى عنه، وقد أقام الحد على ولده فقتله فيه. وستأتي الإشارة إلى ذلك في باب الدال المهملة في لفظ الديك، وقتل رضي الله عنه في سنة ثلاث وعشرين، قتله أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة، واسمه فيروز، وكان المغيرة رضي الله تعالى عنه، يستغله كل يوم أربعة دراهم،

<<  <  ج: ص:  >  >>