للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

«يعض أحدكم أخاه كما يعض الفحل» «١» . وفي السنن: «يضرب أحدكم امرأته ضرب الفحل» «٢» .

وروى الشافعي رحمه الله تعالى في مسنده بإسناد على شرط مسلم عن عبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنهما أنه قال: إن لبن الفحل لا يحرم، ومعناه أن حرمة الرضاع لا تثبت بين المرتضع وبين زوج المرضعة الذي اللبن منه، وإنما تنتشر الحرمة إلى أقارب المرضعة لا غير.

وروي هذا عن ابن عمر وابن الزبير رضي الله تعالى عنهم، وبه قال داود الأصم، وهو اختيار عبد الرحمن ابن بنت الشافعي.

والذي ذهب إليه الفقهاء السبعة والأئمة الأربعة وغيرهم من علماء الأمة، أن حرمة الرضاع تثبت بين المرتضع وبين المرضعة، وبين زوجها الذي منه اللبن فتكون المرضعة أما له وزوجها أبا له كما إذا ولدته من مائة، وكانا أبوين له، لحديث عائشة رضي الله تعالى عنها المتفق على صحته في قصة فلح بن أبي القعيس، وحديثها أيضا المتفق عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» «٣» . وإنما تثبت حرمة الرضاع بشرطين: أحدهما أن يكون قبل استكمال المولود حولين، لقوله «٤» تعالى: وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ

ولقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يحرم من الرضاع إلا ما يفتق الأمعاء» . وفي رواية «٥» «لا رضاع إلا ما أنشر العظم وأنبت اللحم» . وإنما يكون هذا في حال الصغر. وعند أبي حنيفة مدة الرضاع ثلاثون شهرا لقوله تعالى: وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً

«٦» . والشرط الثاني أن يكون خمس رضعات متفرقات، كل رضعة إلى الشبع. روي ذلك عن عائشة وعبد الله بن الزبير رضي الله عنهم، وبه قال مالك والشافعي وذهب جماعة من أهل العلم إلى أن قليل الرضاع وكثيره محرم، وهو قول ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم. وروي عن سعيد بن المسيب، وإليه ذهب الثوري ومالك في إحدى الروايات، والأوزاعي وعبد الله بن المبارك وأبو حنيفة، فإن كان للرجل خمس بنات أو زوجات أو أمهات أولاد، فأرضعت كل واحدة رضعة واحدا جنينا واحدا، ففيه ثلاثة أوجه: أحدها لا يقع التحريم، والثاني يصير ابنا له ولا يصير ابنا للمرضعات، والثالث يصير ابنا له وللمرضعات، فإن وصل اللبن إلى جوفه بحقنة، ففيه قولان: وإن اختلط اللبن بمائع ووصل إلى جوفه ثبتت الحرمة، وإن كان مغلوبا على أصح القولين. وللمسألة فروع مبسوطة في كتب الفقه.

قلت: وقد أذكرني اللبن حديثا رواه الإمام أحمد عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «٧» : «لا أخاف على أمتي إلا اللبن فإن الشيطان بين الرغوة والضرع» . وروى أيضا من حديث عقبة بن عامر رضي الله تعالى عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «سيهلك من أمتي أهل اللبن» . قيل: من هم يا رسول الله؟ قال «٨» : «أناس يحبون اللبن فيخرجون من الجماعات

<<  <  ج: ص:  >  >>