الأخيار حكاية ويتكلم بما لا يريد به أمرا ولا نهيا، ولا أن يجعله أصلا في دينه، وذلك معلوم من فعله، مشهور من قوله. وهذا نظير ما اتفق في قوله «١» صلى الله عليه وسلم «إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه» .
وفي الصحيحين لكن قالت عائشة رضي الله تعالى عنها إنما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على يهودية، وهم يبكون عليها فقال عليه الصلاة والسلام «إنهم يبكون وإنها لتعذب ببكاء أهلها عليها» . وقال مالك وطائفة: قوله صلى الله عليه وسلم «الشؤم في ثلاث» الحديث. على ظاهره، فإن الدار قد يجعل الله سكناها سببا للضرر والهلاك، وكذلك المرأة والفرس والخادم، يجعل الله الهلاك أو الضرر عند وجودهم بقضاء الله وقدره.
وقال ابن القاسم: سئل مالك عن هذا، فقال: كم من دار سكنها قوم فهلكوا، ثم سكنها آخرون فهلكوا. يعني أنه عام على ظاهره. وقال الخطابي: وكثيرون هو في معنى الاستثناء من الطيرة، أي أن الطيرة منهي عنها، إلا أن يكون له دار يكره سكناها، أو امرأة يكره صحبتها، أو فرس أو خادم يكره إقامتهما، فليفارق الجميع بالبيع ونحوه، وطلاق المرأة. وقال آخرون: شؤم الدار ضيقها وسوء جيرانها وأذاهم، وشؤم المرأة عدم ولادتها وسلاطة لسانها وتعرضها للريب، وشؤم الفرس أن لا يغزى عليها. وقيل: حرانها وغلاء ثمنها، وشؤم الخادم سوى خلقه وقلة تعهده لما فرض إليه، وقيل: المراد بالشؤم هنا عدم الموافقة.
واعترض بعض الملحدة بحديث «لا طيرة» على هذا، وأجاب ابن قتيبة وغيره بأن هذا مخصوص من حديث لا طيرة، أي لا طيرة إلا في هذه الثلاثة. قال الحافظ الدمياطي: ومن أغرب ما وقع لي في تأويله، ما رويناه بالإسناد الصحيح عن يوسف بن موسى القطان، عن سفيان بن عيينة، عن الزهري عن سالم، عن أبيه رضي الله تعالى عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «٢» : «البركة في ثلاث: في الفرس والمرأة والدر» . قال يوسف: سألت سفيان بن عيينة عن معنى هذا الحديث، فقال سفيان: سألت عنه الزهري، فقال الزهري: سألت عنه سالما، فقال سالم: سألت عنه أبي عبد الله بن عمر، فقال عبد الله بن عمر: سألت عنه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «إذا كان الفرس ضروبا فهو مشؤوم، وإذا كانت المرأة قد عرفت زوجا غير زوجها فحنت إلى الزوج الأول فهي مشؤومة، وإذا كانت الدار بعيدة عن المسجد فلا يسمع فيها الأذان والإقامة فهي مشؤومة، وإذا كن بغير هذه الصفات فهن مباركات» . وفي الموطأ أن رجلا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنهم سكنوا دارا وعددهم كثير، ومالهم وافر فقل العدد وذهب المال فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«دعوها ذميمة»«٣» . وأمرهم صلى الله عليه وسلم بالخروج منها، لاعتقادهم ذلك فيها، وظنهم أن الذهاب للعدد والنفاد للمال، إنما كان منها، وليس كما ظنوا ولكن الباري سبحانه وتعالى جعل ذلك وقتا لظهور قضائه وقدره، فيجهل الخلق ذلك، فينسبونه إلى الجماد الذي لا ينفع ولا يضر، وهذا كقوله «٤» عليه الصلاة والسلام: «لا عدوى ولا طيرة ولا يورد ممرض على مصح» . لأن الله تعالى يخلق الجرب في الصحيح فيعتقد المصح أن ذلك من