تنزيه لا كراهة تحريم. واستدلوا بما في سنن أبي داود والنسائي وابن ماجه أن النبي صلى الله عليه وسلم «نهى عن أكل لحوم الخيل والبغال والحمير»«١» ، لقوله «٢» تعالى: وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً
وقال صاحب الهداية من الحنفية: فإن قلت الآية خرجت مخرج الامتنان، والأكل من أعلى منافعها، والحكيم لا يترك الامتنان بأعلى النعم ويمتن بأدناها.
قلت: الجواب أن الآية خرجت مخرج الغالب لأن الغالب في الخيل إنما هو الزينة، والركوب دون الأكل، كما خرج قوله «٣» صلى الله عليه وسلم: «وليستنج بثلاثة أحجار» ، مخرج الغالب لأن الغالب أن الاستنجاء لا يقع إلا بالأحجار انتهى.
وقال الشافعي ومن وافقه: ليس المراد من الآية بيان التحليل والتحريم، بل المراد منها تعريف الله عباده نعمه وتنبيههم على كمال قدرته وحكمته، وأما الحديث الذي استدل به أبو حنيفة ومالك ومن وافقهما، فقال الإمام أحمد: ليس له إسناد جيد وفيه رجلان لا يعرفان ولا ندع الأحاديث الصحيحة لهذا الحديث.
وقد روى «٤» الشيخان عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية وأذن في لحوم الخيل» . وفي لفظ «أطعمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لحوم الخيل ونهانا عن لحوم الحمر الأهلية» . رواه الترمذي وصححه. وفي لفظ «سافرنا، يعني مع النبي صلى الله عليه وسلم، فكنا نأكل لحوم الخيل، ونشرب ألبانها» .
وفي الصحيحين عن أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنهما أنها قالت «٥» : نحرنا فرسا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكلناها. وفي رواية: ونحن بالمدينة. وفي مسند الإمام أحمد: نحرنا فرسا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكلناها نحن وأهل بيته. وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، قال: إن الفرس إذا التقت الفئتان تقول: سبوح قدوس رب الملائكة والروح، ولذلك كان له من الغنيمة سهمان.
وكذلك رواه عبد الله بن عمر بن حفص بن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم. ولا يعطى إلا لفرس واحد عربيا كان أو غير عربي، لأن الله سبحانه وتعالى قال «٦» : وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ
ولم يفرق بين عربي وغيره، ولم يرد في شيء من الأحاديث تفرقة، بل الجمع مثل قوله «٧» صلى الله عليه وسلم: «الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة» الأجر والغنيمة. وقال الإمام أحمد: لما سوى العربي سهم وللعربي سهمان لأثر ورد في ذلك عن عمر رضي الله تعالى عنه لكنه لم يصح عنه. ولا يعطى لفرس أعجف وما لا غناء به، لأنه كل على صاحبه.