أمره ولا رضاه بذلك، ومهما لم يصح ذلك عنه لم يجز أن يظن ذلك به فإن إساءة الظن أيضا بالمسلم حرام. قال «١» الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ
وقال «٢» صلى الله عليه وسلم: «إن الله حرم من المسلم دمه وماله وعرضه وأن يظن به ظن السوء» . ومن أراد أن يعلم حقيقة من الذي أمر بقتله لم يقدر على ذلك، وإذا لم يعلم وجب إحسان الظن بكل مسلم يمكن إحسان الظن به. ومع هذا لو ثبت على مسلم أنه قتل مسلما، فمذهب أهل الحق أنه ليس بكافر، والقتل ليس بكفر بل هو معصية، وإذا مات القاتل، فربما مات بعد التوبة، والكافر لو تاب من كفره لم يجز لعنه، فكيف من تاب من قتل؟ ولم يعرف أن قاتل الحسين مات قبل التوبة وهو الذي يقبل التوبة عن عباده، فإذا لا يجوز لعن أحد ممن مات من المسلمين، ومن لعنه كان فاسقا عاصيا لله عز وجل، ولو جاز لعنه فسكت لم يكن عاصيا بالإجماع، بل لو لم يلعن إبليس طول عمره لا يقال له في القيامة: لم لم تلعن إبليس؟ ويقال للاعن: لم لعنت ومن أين عرفت أنه ملعون؟ والملعون هو المبعد من الله عز وجل، وذلك لا يعرف إلا فيمن مات كافرا فإن ذلك علم بالشرع، وأما الترحم عليه فجائز بل مستحب، بل داخل في قولنا: اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات فإنه كان مؤمنا. اهـ.
والكيا الهراسي هو أبو الحسن عماد الدين علي بن محمد الطبري، كان من رؤوس معيدي إمام الحرمين وثاني الغزالي، وتوفي في المحرم سنة أربع وخمسمائة ببغداد، وحضر دفنه الشريف أبو طالب الزينبي وقاضي القضاة أبو الحسن بن الدامغاني مقدما الطائفة الحنفية، وكان بينهما وبينه في حال الحياة منافسة، فوقف أحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه فقال «٣» ابن الدامغاني:
وما تغني النوادب والبواكي ... وقد أصبحت مثل حديث أمس
وأنشد «٤» الزينبي:
عقم النساء فلا يلدن شبيهه ... إنّ النساء بمثله عقم
وقد تقدم في باب الحاء المهملة، في الحمام ذكر شيء من مناقب الإمام الغزالي ووفاته رحمه الله تعالى.
وذكر ابن خلكان أن الرشيد خرج مرة إلى الصيد، فانتهى به الطرد إلى موضع قبر علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه الآن، فأرسل فهودا على صيد فتبعت الصيد إلى موضع قبره، ووقفت الفهود عند موضع القبر الآن، ولم تتقدم على الصيد، فتعجب الرشيد من ذلك! فجاءه رجل من أهل الخبرة وقال: يا أمير المؤمنين أرأيتك إن دللتك على قبر ابن عمك علي بن أبي طالب ما لي عندك؟ قال: أتم مكرمة. قال: هذا قبره. فقال له الرشيد: من أين علمت بذلك؟ قال:
كنت أجيء مع أبي فيزور قبره، وأخبرني أنه كان يجيء مع جعفر الصادق رضي الله تعالى عنه فيزوره، وأن جعفرا كان يجيء مع أبيه محمد الباقر فيزوره، وأن محمدا كان يجيء مع أبيه علي زبن