مات الرجل خلفه على زوجته بعده أكبر بنيه من غيرها.
كذا قاله السهيلي رحمه الله تعالى، تبعا للزبير بن بكار. قال: ولذلك قال الله عز وجل:
وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ
«١» أي من تحليل ذلك قبل الإسلام.
وفائدة الاستثناء هنا لئلا يعاب نسب النبي صلى الله عليه وسلم وليعلم أنه صلى الله عليه وسلم، لم يكن في أجداده نكاح سفاح.
ألا ترى أنه لم يقل في شيء نهى عنه في القرآن نحو: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى
«٢» وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ
«٣» ولا في شيء من المعاصي التي نهى عنها، إلا ما قد سلف إلا في هذه الآية. وفي الجمع بين الأختين، فإن الجمع بينهما كان مباحا في شرع من قبلنا، وقد جمع يعقوب عليه الصلاة والسلام بين الأختين وهما راحيل وليا، فقوله تعالى: إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ*
«٤» التفات إلى هذا المعنى. قال: وهذه النكتة من الإمام أبي بكر بن العربي، قال الحافظ قطب الدين عبد الكريم:
ولما وقفت على هذا، أقمت مفكرا مدة لكون أن برة المذكورة كانت زوجا لخزيمة، فخلف عليها كنانة بن خزيمة، فجاء له منها النضر بن كنانة وإن هذا وقع في نسب النبي صلى الله عليه وسلم وقد روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما ولدني من سفاح أهل الجاهلية شيء، إنما ولدت من نكاح كنكاح الإسلام» إلى أن رأيت أبا عثمان عمرو بن بحر الجاحظ قال، في كتاب له سماه بكتاب الأصنام:
وخلف كنانة بن خزيمة على زوجة أبيه، بعد وفاته، وهي برة بنت أد بن طابخة، جد كنانة بن خزيمة، ولم تلد لكنانة ولدا ذكرا ولا أنثى، ولكن كانت ابنة أخيها برة بنت مرة بن أد بن طابخة تحت كنانة بن خزيمة، فولدت له النضر بن كنانة.
قال: وإنما غلط كثير من الناس، لما سمعوا أن كنانة خلفه على زوجة أبيه لاتفاق اسمهما، وتقارب نسبهما، وهذا الذي عليه مشايخنا وأهل العلم والنسب. قال: ومعاذ الله أن يكون أصاب نسب النبي صلى الله عليه وسلم نكاح مقت، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «مازلت أخرج من نكاح كنكاح الإسلام حتى خرجت من بين أبي وأمي» . ثم قال: ومن اعتقد غير هذا فقد كفر وشك في هذا الخبر. قال: والحمد لله الذي نزهه عن كل وصم، وطهره تطهيرا انتهى.
قلت: وهذا أرجو به الفوز للجاحظ في منقلبه، وأن يتجاوز الله عنه ما سطره في كتبه، وأشرت إلى ذلك في أول كتاب السير من المنظومة بقولي:
محمد خير جميع الخلق ... جاء من الحقّ لنا بالحق
دعوة ابراهيم الخليل ... بشارة المسيح في التنزيل
الطيب الأصول والفروع ... الطاهر المحتد والينبوع «٥»
آباؤه قد طهرت أنسابا ... وشرفت بين الورى أحسابا
نكاحهم مثل نكاح الاسلام ... كذا رواه النجباء الأعلام