إن أعوج فحل كريم كان لبني هلال بن عامر، وإنه قيل لصاحبه: ما رأيت من شدة عدوه؟
فقال: ضللت في بادية وأنا راكبه، فرأيت سرب قطا يقصد الماء، فتبعته وأنا أغض من لجامه، حتى توافينا الماء دفعة واحدة اهـ. قلت: وهذا أغرب شيء يكون، فإن القطا شديد الطيران، وإذا قصدت الماء اشتد طيرانها أكثر، ثم ما كفاه حتى قال: وأنا أغض من لجامه، ولولا ذلك لكان سبق القطا.
وتوصف القطا بالهداية، والعرب تضرب بها المثل في ذلك، لأنها تبيض في القفر، وتسقي أولادها من البعد في الليل والنهار، فتجيء في الليلة المظلمة، وفي حواصلها الماء، فإذا صارت حيال أولادها، صاحت: قطا قطا فلم تخط بلا علم ولا إشارة ولا شجرة، فسبحان من هداها لذلك قال الشاعر:
والناس أهدى في القبيح من القطا ... وأضلّ في الحسنى من الغربان
وقال أبو زياد الكلابي: إن القطا تطلب الماء من مسيرة عشرين ليلة، وفوقها ودونها والجونية منها، تخرج إلى الماء قبل الكدرية قال «١» عنترة:
وأنت التي كلفتني دلج السرى ... وجون القطا بالجلهتين جثوم «٢»
وقال «٣» الشاعر في وصفها:
أما القطاة فإني سوف أنعتها ... نعتا يوافق معنى بعض ما فيها
سكاء مخضوبة في ريشها طرف ... سود قوادمها صهب خوافيها «٤»
وقال مزاحم «٥» العقيلي في القطاة وفرخها:
فلما دعته بالقطاة أجابها ... بمثل الذي قالت له لم تبدل «٦»
وأنشد «٧» ياقوت في معجم البلدان لأبي العباس الصيمري:
كم مريض قد عاش من بعد يأس ... بعد موت الطبيب والعوّاد
قد يصاد القطا فينجو سليما ... ويحل القضاء بالصياد
ذكر أنه كان بين أبي الفضل المعروف بابن القطا الشاعر المشهور بالبغدادي، وبين الحيص بيص التميمي الشاعر مناظرات، منها أنهما حضرا على سماط الوزير، فأخذ أبو الفضل قطاة مشوية