لصاحبه: شق بطنه. فشق بطني، فأخرج قلبي، فأخرج منه مغمز الشيطان وعلق الدم، ثم قال أحدهما لصاحبه: اغسل بطنه غسل الإناء، واغسل قلبه غسل الملاء، ثم قال أحدهما لصاحبه:
خط بطنه، فخاط بطني، وجعل الخاتم بين كتفي كما هو الآن، ووليا عني فكأني أعاين الأمر معاينة» اهـ.
قلت: وفي هذا الحديث من الفوائد أن خاتم النبوة لم يكن قبل ذلك، واختلف العلماء في صفته على عشرين قولا حكاها الحافظ قطب الدين. ففي سيرة ابن هشام أنه كأثر المحجمة القابضة على اللحم. وفي الحديث أنه كان حوله خيلان فيها شعرات سود. وروي أنه كان كالتفاحة، وكزر الحجلة، مكتوب عليه لا إله إلا الله محمد رسول الله. وقد تقدم في باب الحاء المهملة ما وقع فيه للترمذي. وروى أنه كان كبيضة الحمامة.
وروى الحاكم والترمذي في المناقب عن أبي موسى رضي الله تعالى عنه، قال «١» : خرج أبو طالب إلى الشأم، وخرج معه النبي صلى الله عليه وسلم في أشياخ من قريش، فلما أشرفوا على الراهب، هبطوا فحلوا رحالهم، فخرج إليهم الراهب حتى جاء فأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: هذا سيد الخلق أجمعين، هذا رسول رب العالمين، هذا يبعثه الله رحمة للعالمين. فقال له أشياخ قريش: ما أعلمك بهذا؟ فقال: إنكم حين أشرفتم على العقبة لم يبق حجر ولا شجر إلا خر ساجدا لله تعالى، وسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يفعل ذلك إلا لنبي وإني لأعرفه بخاتم النبوة أسفل من غضروف كتفه مثل التفاحة.
ثم رجع فصنع لهم طعاما، فلما أتاهم به لم يجده وكان صلى الله عليه وسلم في رعية الإبل، فقال: ارسلوا إليه، فأرسلوا إليه فأقبل صلى الله عليه وسلم وعليه غمامة تظله، فلما دنا من القوم وجدهم قد سبقوه إلى فيء الشجرة، فلما جلس صلى الله عليه وسلم مال فيء الشجرة عليه، قال: فبينما هو قائم عليهم يناشدهم أن لا يذهبوا به إلى الروم، فإن الروم إذا رأوه عرفوه بالصفة فيقتلونه، فالتفت فإذا هو بسبعة من الروم قد أقبلوا، فاستقبلهم وقال: ما جاء بكم؟ قالوا: أخبرنا أن هذا النبي خارج في هذا الشهر، فلم يبق طريق إلا وقد بعث إليه أناس، وإنا قد أخبرنا يقينا أنه في طريقك هذا. فقال: هل خلفتم أحدا هو خير منكم؟ قالوا: لا وإنما اخترنا طريقك هذا لأجلك. قال: أفرأيتم أمرا أراد الله أن يقضيه، هل يستطيع أحد من الناس أن يرده؟ قالوا: لا. قال: فبايعوه، فبايعوه وأقاموا معه. ثم قال: أنشدكم بالله أيكم وليه؟ قالوا: أبو طالب، فلم يزل يناشده حتى رده أبو طالب، وبعث معه أبو بكر بلالا رضي الله عنهما، وزوده الراهب من الكعك والزيت. قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين. وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب. اهـ ورجال سنده جميعهم مخرج لهم في الصحيح.
قال الحافظ الدمياطي: في هذا الحديث وهمان، الأول قوله فبايعوه وأقاموا معه، والثاني قوله وبعث معه أبو بكر وبلالا، ولم يكونا معه، ولم يكن بلال أسلم ولا ملكه أبو بكر بعد، بل كان أبو بكر حينئذ لم يبلغ عشرين سنة، ولم يملك بلالا إلا بعد ذلك بأكثر من ثلاثين عاما.