للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولعله هو الذي جرحه.

وسمعت أم القتيل الكلام فخرجت فحين رأت الكلب متعلقا بالرجل، تأملت في الرجل، فتذكرت أنه كان أحد أعداء ابنها وممن يتطلبه، فوقع في نفسها أنه قاتل ابنها، فتعلقت به فرفعوهما إلى أمير المؤمنين الراضي بالله، فادعت عليه القتل، فأمر بحبسه بعد أن ضربه فلم يقر، فلزم الكلب باب الحبس، فلما كان بعد أيام أمر الراضي بإطلاقه، فلما خرج من باب الحبس، تعلق به الكلب كما فعل أولا، فتعجب الناس من ذلك وجهدوا على خلاصه منه، فلم يقدروا على ذلك إلا بعد جهد جهيد، فأخبر الراضي بذلك فأمر بعض غلمانه أن يطلق الرجل، ويرسل الكلب خلفه ويتبعه فإذا دخل الرجل داره بادره، وأدخل الكلب معه فمهما رأى الكلب يعمل يعلمه بذلك، ففعل ما أمره به، فلما دخل الرجل داره بادره غلام الخليفة ودخل وأدخل الكلب معه، ففتش البيت فلم ير أثرا ولا خبرا وأقبل الكلب ينبح، ويبحث عن موضع البئر التي طرح فيها القتيل، فتعجب الغلام من ذلك، وأخبر الراضي بأمر الكلب، فأمر بنبش البئر فنبشوها، فوجدوا الرجل قتيلا، فأخذوا صاحب الدار إلى بين يدي الراضي، فأمر بضربه فأقر على نفسه، وعلى جماعته بالقتل. فقتل وطلب الباقون فهربوا.

وفي عجائب المخلوقات، أن شخصا قتل شخصا بأصبهان وألقاه في بئر، وللمقتول كلب يرى ذلك، فكان يأتي كل يوم إلى رأس البئر، وينحي التراب عنه، ويشير إليها، وإذا رأى القاتل نبح عليه، فلما تكرر ذلك منه حفروا البئر، فوجدوا القتيل بها، ثم أخذوا الرجل وقرروه فأقر فقتلوه به.

وفي الإحياء، عن بعض الصوفية، قال: كنا بطرسوس فاجتمعنا جماعة وخرجنا إلى باب الجهاد فتبعنا كلب من البلد، فلما بلغنا باب الجهاد، وإذا نحن بدابة ميتة فصعدنا إلى موضع خال فقعدنا، فلما نظر الكلب إلى الميتة، رجع إلى البلد، ثم عاد ومعه نحو من عشرين كلبا، فجاء إلى تلك الميتة وقعد ناحية، ووقعت الكلاب في الميتة، فما زالت تأكل إلى أن شبعت، وذلك الكلب قاعد ينظر إلى الميتة، حتى أكلت وبقيت العظام، فلما رجعت الكلاب إلى البلد، قام ذلك الكلب إلى العظام فأكل ما بقي عليها من اللحم ثم انصرف.

وفي الشعب للبيهقي وغيرها عن الفقيه منصور اليمني الشافعي الضرير، وله مصنفات في المذهب وشعر حسن أنه كان ينشد «١» لنفسه:

الكلب أحسن عشرة ... وهو النهاية في الخساسه

ممن ينازع في الريا ... سة قبل إبان الرياسه

ثم قال البيهقي: وكان الشيخ الإمام القاضي أبو الطيب الطبري يقول: «من تصدر قبل أوانه فقد تصدى لهوانه» . وقال شعيب بن حرب: «من رضي أن يكون ذنبا أبى الله إلا أن يجعله

<<  <  ج: ص:  >  >>