وكان أهل حمص ينتقصون عليا رضي الله تعالى عنه، حتى نشأ فيهما اسماعيل بن عياش «١» فحدثهم بفضائل علي رضي الله تعالى عنه فكفوا عن ذلك.
وحج الليث، فقدم المدينة فبعث إليه الإمام مالك بن أنس بطبق رطب، فجعل على الطبق ألف دينار ورده إليه، وكان الليث رحمه الله يستغل في كل سنة عشرين ألف دينار فينقفها وما وجبت عليه زكاة قط. وقالت له امرأة: يا أبا الحارث إن لي ابنا عليلا واشتهى عسلا، فقال: يا غلام اعطها مطرا من عسل، والمطر مائة وعشرون رطلا. فقيل له في ذلك، فقال: سألت على قدر حاجتها، ونحن أعطيناها على قدر نعمتنا. واشترى قوم منه ثمره ثم استقالوه، فأقالهم وأعطاهم خمسين دينارا، وقال: إنهم كانوا قد أملوا فيها أملا فأحببت أن أعرضهم عن أملهم.
وكان رضي الله تعالى عنه حنفي المذهب، وولي القضاء بمصر وتوفي بها في شعبان سنة خمسن وسبعين ومائة. وقبره في القرافة الصغرى مشهور. وقلقشندة بفتح القاف ولام وقاف وشين معجمة مفتوحة ونون ساكنة ودال مهملة وهاء آخرها بينها وبين مصر مقدار ثلاثة فراسخ كذا قاله ابن خلكان.
وحكى: عبد الله بن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر، قال: كان بأرض اليمامة رجل من ربيعة يقال له جحدر بن مالك العجلي، وكان شاعرا فحلا فاتكا قد أمر على أهل حجر وما يليها، فبلغ ذلك الحجاج، فكتب إلى عامله على اليمامة يوبخه ويلومه على تغلب جحدر في ولايته ويأمره بالتجرد في طلبه والبعث به إليه، إن ظفر به. فلما أتى العامل كتابه دس إليه فتية من قومه، ووعدهم أن يوفدهم معهم، فمكثوا لذلك أياما حتى إذا أصابوا منه غرة شدوا عليه فأوثقوه، وقدموا به على العامل. فبعث به إلى الحجاج فلما جاوزوا بجحدر حجرا أنشأ يقول:
لقد ما هاجني فازددت شوقا ... بكاء حمامتين تغردان
تجاوبتا بلحن أعجمي ... على غصنين من غرب وبان
فقلت لصاحبي وكنت أحزو ... ببعض القول ماذا تحزوان
فقالا: الدار جامعة قريبا ... فقلت وأنتما متمنيان
فكان البان أن بانت سليمى ... وفي الغرب اغتراب غير دان
إذا جاوزتما نخلات حجر ... وأندية اليمامة فانعياني
وقولا جحدر أمسى رهينا ... يعالج وقع مصقول يماني
كذا المغرور بالدنيا سيردى ... وتهلكه المطامع والأماني
فلما قدم به على الحجاج، قال له: أنت جحدر؟ قال: نعم، أصلح الله الأمير. قال: فما حملك على ما صنعت؟ قال: جراءة الجنان، وكلب الزمان، وجفوة السلطان. قال: وما الذي بلغ من أمرك فيجرأ جنانك، ويكلب زمانك ويجفوك سلطانك؟ قال: لو بلاني الأمير لوجدني من صالح الأعوان، وأهم الفرسان، وأما جراءة جناني فإني لم ألق فارسا قط، إلا كنت عليه في نفسي