وترك. فقلت: تراه عرفني. فأسرعت فصاح بي يا أصمعي فالتفت فقال:
لنقل الصخر من قلل الجبال ... أحبّ إلي من منن الرجال
يقول الناس: كسب فيه عار ... وكلّ العار في ذلّ السؤال
وقال الأصمعي: سألت أعرابية عن ولد لها كنت أعرفه، فقالت: مات وأنسى المصائب. ثم قالت:
وكنت أخاف الدهر ما كان آمنا ... فلما تولّى مات خوفي من الدهر
وقال: قلت لرجل من الأعراب أعرفه بالكذب: أصدقت قط؟ فقال: لولا أني أصدق في هذا لقلت: لا. وقال الأصمعي للكسائي، وهما عند الرشيد: ما معنى قول «١» الراعي؟
قتلوا ابن عفان الخليفة محرما ... ودعا فلم أر مثله مخذولا
فقال الكسائي: كان محرما بالحج. فقال الأصمعي: فما أراد عدي بن زيد بقوله «٢» :
قتلوا كسرى بليل محرما ... فمضى فلم يمتع بكفن
فهل كان محرما بالحج وأي إحرام لكسرى؟ فقال الرشيد للكسائي: يا علي إذا جاء الشعر فإياك والأصمعي. وروي أن الرشيد قال للأصمعي: ما أحسن ما مر بك في تقويم اللسان؟ قال:
أوصى رجل بعض بنيه فقال: يا بني أصلحوا من ألسنتكم، فإن الرجل تنوبه النائبة، فيتحمل فيها فيستعير من أخيه وأبيه ومن صديقه ثوبه، ولا يجد من يعيره لسانه، وأنشد «٣» في ذلك:
وما حسن الرجال لهم بزين ... إذا لم يسعد الحسن اللسان
كفى بالمرء عيبا أن تراه ... له وجه ليس له لسان
ويروى عن الأصمعي أنه قال: وجدني أبو عمرو بن العلاء مارا في بعض أزقة البصرة فقال:
إلى أين يا أصمعي؟ فقلت: لزيارة بعض إخواني. فقال: يا أصمعي إن كان لفائدة أو عائدة، وإلا فلا. وقد أنشدني في ذلك يوسف الحلبي:
يا أيها الإخوان أوصيكم ... وصية الوالد والوالده
لا تنقلوا الأقدام إلّا إلى ... من لكم عنده فائده
إما لعلم تستفيدونه ... أو لكريم عنده مائده
وكان من كلام الأصمعي: خير العلم ما أطفأت به الحريق، وأخرجت به الغريق. وكان يقول:
أحفظ ستة عشر ألف أرجوزة، فيها ما عدد أبياتها المائة والمائتان. ومن عجيب ما يحكى قال أبو العيناء: كنا في جنازة الأصمعي، فحدثني أبو قلابة «٤» الشاعر، وأنشدني «٥» لنفسه: