الصحراء، فتجتمع السباع حوله والطير التي تأكل الجيف فمن أكل منها شيئا مات لوقته. وكان بعض الجبابرة من الملوك بالعراق يعذب بالبعوض، فيأخذ من يريد قتله فيخرجه مجردا إلى بعض الآجام التي بالبطائح ويتركه فيها مكتوفا، فيقتل في أسرع وقت، وأقرب زمان وما أحسن قول أبي الفتح البستي «١» في هذا المعنى:
لا تستخفن الفتى بعداوة ... أبدا وإن كان العدو ضئيلا
إن القذى يؤذي العيون قليله ... ولربما جرح البعوض الفيلا
وما ألطف ما قال بعضهم:
لا تحقرن صغيرا في عداوته ... إن البعوضة تدمي مقلة الأسد
ونحوه قول أبي نصر السعدي «٢» :
ولا تحقرن عدوا رماك ... وإن كان في ساعديه قصر
فإن الحسام يحز الرقاب ... ويعجز عما تنال الإبر
وله أيضا وقيل إنه لجمال الدين بن مطروح «٣» :
يا من لبست عليه أثواب الضنا ... صفرا موشحة بحمر الأدمع «٤»
أدرك بقية مهجة لو لم تذب ... أسفا عليك رميتها عن أضلعي
ومن محاسن شعره أيضا قوله «٥» :
لما وقفنا للوداع وصارما ... كنا نظن من النوى تحقيقا
نثروا على ورق الشقائق لؤلؤا ... ونثرت من ورق البهار عقيقا «٦»
ونحوه قول إبراهيم علي القيرواني صاحب «٧» زهر الأدب وغيره وكان كلفا بالمعذرين:
ومعذرين كأن نبت خدودهم ... أقلام مسك تستمد خلوقا