للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نظموا البنفسج بالشقيق ونضدوا ... تحت الزبرجد لؤلؤا وعقيقا «١»

وروى «٢» الترمذي، وقال حديث حسن صحيح عن سهل بن سعد رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة، ما سقى منها كافرا شربة ماء» .

وكذلك رواه الحاكم وصححه.

وقال الشاعر في ذلك:

إذا كان شيء لا يساوي جميعه ... جناح بعوض عند من كنت عبده

وأشغل جزء منه كلك ما الذي ... يكون على ذا الحال قدرك عنده

ومعنى هوان الدنيا على الله تعالى أنه سبحانه لم يجعلها مقصودة لنفسها، بل جعلها طريقا موصلة إلى ما هو المقصود بنفسه. وإنه لم يجعلها دار إقامة ولا جزاء إنما جعلها دار محنة وبلاء وإنه ملكها في الغالب الجهلة والكفرة، وحماها الأنبياء والأولياء والأبدال. وحسبك بها هوانا على الله أنه سبحانه وتعالى، صغرها وحقرها وأبغضها، وأبغض أهلها ومحبيها، ولم يرض لعاقل فيها، إلا بالتزود منها، والتأهب للإرتحال عنها.

ويكفي في ذلك ما رواه الترمذي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله تعالى وما والاه أو عالم أو متعلم» . وهو «٣» حديث حسن غريب. ولا يفهم من هذا اباحة لعن الدنيا وسبها مطلقا. لما روى أبو موسى الأشعري، رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تسبوا الدنيا فنعمت مطية المؤمن عليها يبلغ الخير وبها ينجو من الشر، إن العبد إذا قال: لعن الله الدنيا قالت الدنيا لعن الله أعصانا لربه» . خرجه الشريف أبو القاسم زيد بن عبد الله بن مسعود الهاشمي وهذا يقتضي المنع من سب الدنيا ولعنها. ووجه الجمع بينهما أن المباح لعنه من الدنيا ما كان منها مبعدا عن ذكر الله وشاغلا عنه، كما قال بعض السلف كل ما يشغلك عن ذكر الله من مال وولد فهو مشؤوم عليك، وهو الذي نبه عليه الله تعالى بقوله «٤» : اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ

وأما ما كان من الدنيا، يقرب من الله ويعين على عبادته، فهو المحمود بكل لسان المحبوب لكل إنسان، فمثل هذا لا يسب، بل يرغب فيه ويحب، وإليه الإشارة بالاستثناء حيث قال: إلا ذكر الله وما والاه أو عالم أو متعلم، وهو المصرح به في قوله «نعمت مطية المؤمن عليها يبلغ الخير وبها ينجو من الشر» ، وبهذا يرتفع التعارض بين الحديثين وفي الإحياء للغزالي في الباب السادس من أبواب العلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «٥» : «إن العبد لينشر له من الثناء ما بين

<<  <  ج: ص:  >  >>