ماه، وكان عالما عاملا. قال الشافعي: قيل لمالك هل رأيت أبا حنيفة؟ قال: نعم رأيت رجلا لو كلمك في هذه السارية أن يجعلها ذهبا، لقام بحجته! وكان الشافعي يقول: الناس عيال على أبي حنيفة في الفقه، وعلى زهير بن أبي سلمى «١» في الشعر، وعلى محمد بن إسحاق «٢» في المغازي، وعلى الكسائي «٣» في النحو، وعلى مقاتل بن سليمان «٤» في التفسير. وكان أبو حنيفة إماما في القياس، وداوم على صلاة الفجر بوضوء العشاء أربعين سنة. وكان عامة ليلة يقرأ القرآن في ركعة واحدة، وكان يبكي في الليل حتى يرحمه جيرانه. وختم القرآن في الموضع الذي توفي فيه سبعة آلاف مرة. ولم يفطر منذ ثلاثين سنة، ولم يكن يعاب بشيء سوى قلة العربية. حكي أن أبا عمرو بن العلاء، سأله عن القتل بالمثقل، هل يوجب القود؟ قال: لا، على قاعدة مذهبه خلافا للشافعي. فقال له أبو عمرو: لو قتله بحجر المنجنيق؟ فقال: ولو قتله بأبا قبيس: يعني الجبل المطل على مكة. وقد اعتذر عن أبي حنيفة بأنه قال ذلك على لغة من يعرب الأسماء الستة بالألف في الأحوال الثلاثة وأنشدوا على ذلك:
إن أباها وأبا أباها ... قد بلغا في المجد غايتاها
وهي لغة الكوفيين، وأبو حنيفة من أهل الكوفة. وتوفي أبو حنيفة في السجن ببغداد سنة خمسين ومائة، وقيل غير ذلك، وقيل لم يمت في السجن، وقيل مات في اليوم الذي ولد فيه الشافعي، وقيل في العام لا في اليوم كما تقدم. وقال النووي في تهذيب الأسماء واللغات: توفي في سنة إحدى وقيل ثلاث وخمسين ومائة والله أعلم قلت: البيت المذكور في حكاية الإسكافي المتقدمة، للعرجي عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنهم. وقد استشهد به النضر بن شميل على المأمون، قال ابن خلكان: دخل النضر «٥» بن شميل على المأمون ليلة، فتفاوضا الحديث فروى المأمون عن هشيم بسنده إلى ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، أنه قال:
قال «٦» رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا تزوج الرجل المرأة لدينها وجمالها، كان فيه سداد من عوز» بفتح السين. فقال النضر: يا أمير المؤمنين صدق هشيم حدثنا فلان عن فلان إلى علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، قال: قال «٧» رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا تزوج الرجل المرأة لدينها وجمالها، فهو سداد من عوز» بكسر السين. قال: وكان المأمون متكئا، فاستوى جالسا وقال: كيف قلت