للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لا إله إلّا الله عيسى روح الله وكلمته وعبده ورسوله، فقال إسحاق: يا روح الله:

وكلمته ما هذا القبر الذي فيه زوجتي، وإنما هو هذا وأشار إلى قبر آخر، فقال عيسى للأسود: ارجع إلى ما كنت فيه فسقط ميتا فواراه في قبره. ثم وقف على القبر الآخر وقال: قم يا ساكن هذا القبر بإذن الله، فقامت المرأة وهي تنثر التراب عن وجهها، فقال عيسى: هذه زوجتك؟ قال: نعم يا روح الله. قال: خذ بيدها وانصرف. فأخذها ومضى فأدركه النوم فقال لها: إنه قد قتلني السهر على قبرك، وأريد أن آخذ لي راحة. قالت:

افعل فوضع رأسه على فخذها ونام. فبينما هو نائم إذ مر عليها ابن الملك، وكان ذا حسن وجمال وهيئة عظيمة، راكبا على جواد حسن، فلما رأته هويته، وقامت إليه مسرعة، فلما نظرها وقعت في قلبه، فأتت إليه وقالت: خذني. فأردفها على جواده وسار فاستيقظ زوجها ونظر فلم يرها فقام يطلبها، وقص أثر الجواد فأدركهما، وقال لابن الملك: اعطني زوجتي وابنة عمي، فأنكرته وقالت: أنا جارية ابن الملك فقال: بل أنت زوجتي وابنة عمي. فقالت: ما أعرفك! وما أنا إلا جارية ابن الملك! فقال له ابن الملك: أفتريد أن تفسد جاريتي؟ فقال: والله إنها لزوجتي وإن عيسى بن مريم أحياها لي بإذن الله، بعد أن كانت ميتة، فبينما هم في المنازعة إذ مر عيسى صلى الله عليه وسلم فقال إسحاق: يا روح الله أما هذه زوجتي التي أحييتها لي بإذن الله؟ قال: نعم. فقالت: يا روح الله إنه يكذب وإني جارية ابن الملك. وقال ابن الملك: هذه جاريتي. قال عيسى: ألست التي أحييتك بإذن الله؟ قالت: لا والله يا روح الله. قال: فردي علينا ما أعطيناك. فسقطت ميتة.

فقال عيسى: من أراد أن ينظر إلى رجل أماته الله كافرا ثم أحياه وأماته مسلما، فلينظر إلى ذلك الأسود. ومن أراد أن ينظر إلى امرأة أماتها الله مؤمنة، ثم أحياها وأماتها كافرة، فلينظر إلى هذه.

وإن إسحاق الإسرائيلي، عاهد الله تعالى أن لا يتزوج أبدا، وهام على وجهه في البراري باكيا.

وفي هذه الحكاية أعظم عبرة لأولي الألباب وهي من أعجب ما يسمع في التوفيق والخذلان، نسأل الله تعالى السلامة، وحسن الخاتمة، بجاه سيدنا محمد وآله. وقد أحببت أن أذكر هنا ما أخبرني به بعض العلماء العارفين وهو أن عيسى صلى الله عليه وسلم اجتاز في بعض الأيام بجبل، فرأى فيه صومعة فدنا منها فرأى فيها متعبدا قد انحنى ظهره، ونحل جسمه، وبلغ به الاجتهاد أقصى غاياته، فسلم عليه وقال له: منذ كم أنت في هذه الصومعة؟ فقال: منذ سبعين سنة أسأله حاجة واحدة وما قضاها لي بعد! فعساك يا روح الله أن تكون شفيعا لي فيها فعساها تقضى! فقال له عيسى: وما حاجتك؟

قال: أن يذيقني مثقال ذرة من خالص محبته. فقال عيسى: ها أنا أدعو الله لك في ذلك فدعا له عيسى في تلك الليلة فأوحى الله إليه إني قد قبلت شفاعتك، وأجبت دعوتك. فعاد عيسى بعد أيام إلى ذلك الموضع فرأى الصومعة قد وقعت والأرض التي تحتها قد شقت، فنزل عيسى ذلك الشق إلى منتهاه فرأى العابد في مغارة تحت ذلك الجبل، واقفا شاخصا مثقال ذرة من خالص محبتنا فعلمنا أنه لا يطيق ذلك، فوهبناه جزءا من سبعين ألف جزء من ذرة، فهو فيها حائر كما ترى فكيف لو وهبناه أكثر من ذلك؟! اهـ قلت: فمحبة الخواص من هذه المعادن رشحت، وبهذه الأوصاف عرفت، واعلم أن المحبة هي أوّل أودية الفناء، والعقبة التي تنحدر منها إلى منازل المحو. وقد اختلفت إشارات أهل التحقيق في العبارة عنها، فكل نطق بحسب ذوقه، وافصح

<<  <  ج: ص:  >  >>