للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبو الحارث السياف، ولطمه لطمة هشم وجهه وأنفه فصاح الشبلي ومزق ثيابه وغشي على أبي الحسن الواسطي وعلى جماعة من المشايخ المشهورين. وكان الحلاج يقول: اعلموا أن الله قد أباح لكم دمي، فاقتلوني ليس للمسلمين اليوم شغل أهم من قتلي. وقال: إن قتلي قيام بالحدود ووقوف مع الشريعة ومن تجاوز الحدود أقيمت عليه الحدود. قلت: وقد اضطرب الناس في أمره اضطرابا كبيرا متباينا فمنهم من يعظمه ومنهم من يكفره. وقد ذكر الإمام قطب الوجود حجة الإسلام في كتاب مشكاة الأنوار ومصفاة الأسرار فصلا مطوّلا في أمره واعتذر عن إطلاقاته كقوله: أنا الحق وما في الجبة إلا الله وحملها كلها على محامل حسنة، وقال: هذا من فرط المحبة وشدة الوجد وهو مثل قول القائل «١» :

أنا من أهوى ومن أهوى أنا ... فإذا أبصرته أبصرتنا

وحسبك هذا مدحة وتزكية وكان ابن شريح إذا سئل عنه يقول: هذا رجل قد خفي على حاله وما أقول فيه. وهذا شبيه بكلام عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى وقد سئل عن علي ومعاوية رضي الله تعالى عنهما فقال: دماء طهر الله منها سيوفنا، أفلا نطهر من الخوض فيهم ألسنتنا؟ وهكذا ينبغي لمن يخاف الله أن لا يكفر أحدا من أهل القبلة بكلام يصدر عنه يحتمل التأويل على الحق والباطل. فإن الإخراج من الإسلام عظيم ولا يسارع به إلا جاهل.

ويحكى عن شيخ العارفين قطب الزمان عبد القادر الجيلاني قدس الله سره أنه قال: عثر الحلاج ولم يكن له من يأخذ بيده ولو أدركت زمانه لأخذت بيده وهذا وما سبق عن الإمام الغزالي في أمره كاف لمن له أدنى فهم وبصيرة وسمي الحلاج لأنه جلس يوما على حانوت حلاج واستقضاه حاجة فقال له الحلاج أنا مشتغل بالحلج. فقال له: امض في حاجتي حتى أحلج عنك فمضى الحلاج في حاجته، فلما عاد وجد قطنه كله محلوجا، وكان لا يحلجه عشرة رجال في أيام متعددة.

فمن ثم قيل له الحلاج. وقيل إنه كان يتكلم على الأسرار ويخبر عنها، فسمي حلاج الأسرار وكان من أهل البيضاء بليدة بفارس واسمه الحسين بن منصور والله أعلم.

وذكر ابن خلكان وغيره أن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه ولي محمد بن أبي بكر الصديق مصر، فدخلها سنة سبع وثلاثين وقام بها إلى أن بعث معاوية بن أبي سفيان عمرو بن العاص في جيوش أهل الشام، ومعهم معاوية بن حديج، بحاء مهملة مضمومة ودال مهملة مفتوحة وبالجيم في آخره كذا ضبطه ابن السمعاني في الأنساب وابن عبد البر وابن قتيبة وغيرهم.

ووقع في كثير من نسخ تاريخ ابن خلكان معاوية بن خديج بخاء معجمة ودال مكسورة وآخره جيم وهو غلط. والصواب ما تقدم وأصحابه أي أصحاب معاوية بن خديج فاقتتلوا فانهزم محمد بن أبي بكر واختبأ في بيت مجنونة فمر أصحاب معاوية بن خديج بالمجنونة وهي قاعدة على

<<  <  ج: ص:  >  >>