للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يضره، فلما خرج قيل له: ما الذي كان في قلبك حين شمك السبع؟ قال: كنت أتفكر في اختلاف العلماء في سؤر السبع.

قيل: حج سفيان الثوري مع شيبان الراعي رضي الله تعالى عنهما فعرض لهما سبع، فقال سفيان لشيبان: أما ترى هذا السبع؟ فقال: لا تخف، ثم أخذ شيبان أذنه فعركها فبصبص وحرك ذنبه، فقال سفيان: ما هذه الشهرة؟ فقال: لولا مخافة الشهرة لوضعت زادي على ظهره، حتى آتي مكة. وذكر الحافظ أبو نعيم في الحلية قال: كان شيبان الراعي إذا أجنب، وليس عنده ماء دعا ربه فتجيء سحابة فتظله، فيغتسل منها ثم تذهب، وكان إذا ذهب للجمعة، خط حول غنمه خطا فإذا جاء وجدها على حالها لم تتحرك، وذكر أبو الفرج بن الجوزي وغيره أن الإمام أحمد والشافعي مرا يوما بشيبان الراعي فقال الإمام أحمد: لأسألن هذا الراعي وأنظر جوابه، فقال له الشافعي:

لا تتعرض له، فقال: لا بد من ذلك، فقال له: يا شيبان ما تقول فيمن صلى أربع ركعات فسها في أربع سجدات ماذا يلزمه؟ قال له: على مذهبنا أم على مذهبكم؟ قال: أهما مذهبان؟ قال:

نعم، أما عندكم فيلزمه أن يصلي ركعتين ويسجد للسهو، وأما عندنا فهذا رجل مقسم القلب يجب أن يعاقب قلبه حتى لا يعود. قال: فما تقول فيمن ملك أربعين شاة وحال عليها الحول ماذا يلزمه؟ قال: يلزمه عندكم شاة وأما عندنا فالعبد لا يملك شيئا مع سيده. فغشي على الإمام أحمد فلما أفاق انصرفا انتهى. قلت: وقد ذهب جماعة من علماء الآخرة إلى من سها فسدت صلاته، أخذا بقوله صلى الله عليه وسلم: «ليس للمرء من صلاته إلا ما عقله منها فعلا ولفظا» . قالوا: ولا تفسد الصلاة إلا بترك واجب، وإلا فأي معنى للركوع والسجود، والمقصود منهما التعظيم والحضور لا الغفلة والذهول؟! وهو حسن، وإنما أفتت العلماء رضي الله تعالى عنهم بصحة الصلاة بذلك لعجزهم عن الاطلاع على أسرار القلوب، وسلموها إلى أربابها ليستفتوا نفوسهم، ليدفع الفقهاء كيد الشيطان وشقشقته عمن يقول لا إله إلا الله، وليقيموا الصلاة، ولم يفتوا بأن ذلك نافع لهم في الآخرة، ما لم يطابق عليه القلب اللسان مع الإخلاص لله والإخلاص لله واجب في سائر الأعمال. والاخلاص هو ما صفا عن الكدر، وخلص من الشوائب. قال تعالى: «مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خالِصاً»

«١» فكما أن خلوص اللبن من الفرث والدم، فكذلك إخلاص الأعمال من الرياء وحظوظ النفس جميعا وقد تكلمت على ذلك كلاما طويلا في الجوهر الفريد فلينظر هناك وبالله التوفيق. ورأيت في بعض المجاميع أن الشافعي رضي الله تعالى عنه كان يجلس إلى شيبان الراعي ويسأله عن مسائل فقيل له: مثلك يسأل هذا البدوي فيقول لهم: هذا وفق لما علمناه.

وكان شيبان أميا وإذا كان محل الأمي منهم من العلم هكذا فما ظنك بأئمتهم وقد كان الأئمة المجتهدون كالشافعي وغيره رضي الله تعالى عنهم يعترفون بوفور فضل علماء الباطن وقد قال الإمامان الجليلان الشافعي وأبو حنيفة رضي الله عنهما: إذا لم يكن العلماء أولياء الله تعالى، فليس لله ولي. وقد حكى غير واحد من الحفاظ أن أبا العباس بن شريح، كان إذا أعجب الحاضرين ما يبديه لهم من العلوم، يقول لهم: أتدرون من أين لي هذا؟ إنما حصل من بركة مجالستي أبا القاسم الجنيد رضي الله تعالى عنه. وكان من دعاء شيبان: يا ودود يا ودود، يا ذا العرش المجيد،

<<  <  ج: ص:  >  >>