وأكلتها برئت، وإلا ماتت. وقد أشار إلى ذلك الفقيه عمارة اليمني في أبياته بقوله «١» :
إذا لم يسالمك الزمان فحارب ... وباعد إذا لم تنتفع بالأقارب
ولا تحتقر كيد الضعيف فربما ... تموت الأفاعي من سموم العقارب
فقد هدم عرش بلقيس هدهد ... وخرب فأر قبل ذا سدّ مأرب
إذا كان رأس المال عمرك فاحترز ... عليه من الانفاق في غير واجب
فبين اختلاف الليل والصبح معرك ... يكر علينا جيشه بالعجائب
وفي تاريخ ابن خلكان، في ترجمة «٢» الفقيه عمارة بن علي بن زيدان اليمني، أن قاسم بن هاشم، صاحب مكة، وجهه رسولا إلى الديار المصرية، فدخلها في ربيع الأول سنة خمسين وخمسمائة، وصاحبها يومئذ الفائز، والوزير الصالح بن رزيك، فأنشدهما قصيدته الميمية التي أولها:
الحمد للعيس بعد العزم والهمم
وفي آخرها:
ليت الكواكب تدنو لي فأنظمها ... عقود مدح فما أرضى لكم كلمي
خليفة ووزير مدّ عدلهما ... ظلا على مفرق الاسلام والأمم
زيادة النيل نقص عند فيضهما ... فما عسى يتعاطى منة الديم
فاستحسنا قصيدته وأجزلا صلته، وعاد إلى مكة، ثم إلى زبيدة ثم أعاده صاحب مكة رسولا إلى مصر أيضا، فاستوطنها وأحسن الصالح وبنوه إليه. فلما ملك السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب، مدحه ومدح جماعة من أهل بيته، ثم إنه شرع في الاتفاق، مع جماعة من الرؤساء، على إعادة دولة المصريين ووافقهم جماعة من أمراء الملك الناصر، واتفق رأيهم على استدعاء الفرنج من صقلية ومن سواحل الشام إلى ديار مصر، على شيء يبذلونه لهم، من المال والبلاد، فعلم صلاح الدين بذلك فقبض عليهم وسألهم عن ذلك، فأقروا. فصلبهم في رمضان سنة تسع وعشرين وخمسمائة. وهذا التاريخ مناقض لما تقدم، من أنه كان رسولا لصاحب مكة في سنة خمسين وخمسمائة.
قلت: والصواب أن صلبهم كان في سنة تسع وستين يوم السبت الثاني من شهر رمضان، وكان القبض عليهم في يوم الأحد السادس والعشرين من شعبان من السنة المذكورة. وكان عمارة شافعيا، وينسب إليه بيت قاله، أو وضع عليه والله أعلم بذلك:
قد كان أول هذا الدين من رجل ... سعى إلى أن دعوه سيّد الأمم
فأفتى فقهاء مصر بقتله، ولم يتعرض السلطان صلاح الدين إلى من نافق عليه من أجناده، ولا أظهر لهم أنه علم بشيء من أمرهم. ومن العجيب أن الفقيه عمارة قال قبل صلبه بأيام قلائل في مصلوب: