ورأت يداه عظيم ما جنتا ... ففررن ذي شرقا وذي غربا
وأمال نحو الصدر منه فما ... ليلوم في أفعاله القلبا
فكأنه كان لسان حاله.
ومن شأنها، أنها إذا لسعت الإنسان، فرت فرار مسيء يخشى العقاب. قال الجاحظ: ومن عجيب أمرها أنها لا تسبح ولا تتحرك، إذا ألقيت في الماء سواء كان الماء ساكنا، أو جاريا، قال:
والعقارب تخرج من بيوتها للجراد، لأنها حريصة على أكله، وطريق صيدها أن تشبك الجرادة في عود، ثم تدخل في جحرها، فإذا عاينتها العقرب تعلقت فيها. ومتى أدخل الكراث في جحرها وأخرج، فإنها تتبعه أيضا. وربما ضربت الحجر والمدر، ومن أحسن ما قيل في ذلك:
رأيت على صخرة عقربا ... وقد جعلت ضربها ديدنا
فقلت لها: إنها صخرة ... وطبعك من طبعها ألينا
فقالت: صدقت ولكنني ... أريد أعرفها من أنا
والعقارب القاتلة تكون في موضعين بشهرزور وبعسكر مكرم، وهي جرارات تلسع فتقتل كما تقدم. وربما تناثر لحم من لسعته أو عفن لحمه واسترخى، حتى إنه لا يدنو منه أحد إلا وهو يمسك أنفه مخافة أعدائه. ومن لطيف أمرها أنها مع صغرها تقتل الفيل والبعير بلسعها.
ومن نوع العقارب الطيارة، قال القزويني والجاحظ: وهذا النوع يقتل غالبا. قال الرافعي: وحكى العبادي وجها أنه يصح بيع النمل بنصيبين، لأنه يعالج به العقارب الطيارة، التي بها. وسيأتي إن شاء الله تعالى، هذا أيضا في باب النون، في حكم النمل ولعل مراده أن النمل يعمل مع أدوية، ويعالج بها لدغتها.
وبنصيبين عقارب قتالة، يقال إن أصلها من شهرزور، وإن بعض الملوك حاصر نصيبين، فأتى بالعقارب منها وجعلها في كيزان الفقاع، ورمى بها في المجانيق. قال الجاحظ: وكان في دار نصر بن حجاج السلمي «١» عقارب، إذا لسعت قتلت، فدب ضيف لهم، إلى بعض أهل الدار فضربته عقرب في مذاكيره فقال «٢» نصر يعرض به:
وداري إذا نام سكانها ... أقام الحدود بها العقرب
إذا غفل الناس عن دينهم ... فإن عقاربها تضرب
فلا تأمنن سرى عقرب ... بليل إذا أذنب المذنب
فدخل حوالي الدار وقال: هذه عقارب تسقى من أسود سالخ، ونظر إلى موضع في الدار، وقال:
احفروا ههنا، فحفروا فوجدوا أسودين: ذكرا وأنثى.