للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عنه وهو يقول: فأين الله يرفع بها صوته ويشير بأصبعه إلى السماء! فجعل ابن عمر يردد قول الراعي ذلك. فلما قدم المدينة، اشترى العبد الراعي والغنم، وأعتق العبد ووهب منه الأغنام.

وروى أحمد بإسناد صحيح عن أبي اليسر عمرو بن كعب رضي الله تعالى عنه قال «١» : والله إني لمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر عشية، إذ أقبلت غنم لرجل من اليهود تريد حصنهم، ونحن محاصروهم، إذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من يطعمنا من هذه الغنم» قلت: أنا يا رسول الله. قال:

«فافعل» . قال: فخرجت أشتد مثل الظليم، فلما نظر إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم موليا قال: «اللهم أمتعنا به» فأدركت الغنم، وقد وصل أوائلها الحصن، فأخذت شاتين من آخرها، فاحتضنتهما تحت يدي، ثم أقبلت بهما أشتد كأنه ليس معي شيء، حتى ألقيتهما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذبحوهما وأكلوهما.

وكان أبو اليسر رضي الله تعالى عنه من آخر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم موتا، وكان إذا حدث بهذا الحديث بكى، ثم قال: امتعوني بعمري حتى صرت آخرهم موتا انتهى. وكان أبو اليسر آخر البدريين موتا رضي الله تعالى عنهم.

وفي الاستيعاب وغيره قصة إسلام الأسود الحبشي الذي كان يرعى غنما لعامر اليهودي، أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو محاصر لبعض حصون خيبر، ومعه الغنم فقال: يا رسول الله أعرض علي الإسلام فعرضه عليه فأسلم. ثم قال: يا رسول الله إني كنت أجيرا لصاحب هذه الغنم، وهي أمانة عندي، فكيف أصنع فيها؟ فقال: «اضرب في وجوهها فسترجع إلى ربها» . فقام الأسود، فأخذ حفنة من حصى، ورمى بها في وجوهها، وقال: ارجعي إلى صاحبك، فو الله لا أصبحك بعدها أبدا، فرجعت الغنم مجتمعة، كأن سائقا يسوقها حتى دخلت الحصن، ثم تقدم يقاتل مع المسلمين، فأصابه حجر فقتله، وما صلى لله صلاة قط، فأتي به إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد سجي بشملة كانت عليه فالتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أعرض عنه. فقالوا: يا رسول الله لم أعرضت عنه؟

فقال صلى الله عليه وسلم: «إن معه الآن زوجتيه من الحور العين، ينفضان التراب عن وجهه، ويقولان: ترب الله وجه من ترب وجهك وقتل من قتلك» . قال أبو عمرو: إنما رد رسول الله صلى الله عليه وسلم الغنم إلى الحصن، لأن ذلك كان مصالحا عليه، أو كان قبل حل الغنائم.

وفي الحديث «٢» أنه عليه الصلاة والسلام قال: «ما من نبي إلا وقد رعى الغنم» . قيل:

وأنت يا رسول الله؟ قال: «وأنا» . وثبت في صحيح البخاري، وسنن ابن ماجه، واللفظ له عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما بعث الله نبيا إلا راعي غنم» . فقال له أصحابه: وأنت يا رسول الله؟ قال: «وأنا كنت أرعاها لأهل مكة بالقراريط» «٣» . قال سويد:

يعني كل شاة بقيراط.

وفي غريب الحديث للقعنبي، «بعث موسى عليه الصلاة والسلام وهو راعي غنم، وبعث داود عليه الصلاة والسلام وهو راعي غنم، وبعثت وأنا راعي غنم أهلي بأجياد» . وفي الحديث

<<  <  ج: ص:  >  >>