وطول خرطومه، وسعة أذنيه، وثقل حمله، وخفة وطئه، فإنه ربما مر بالإنسان فلا يشعر به لحسن خطوه واستقامته. ويطول عمره، فقد حكى أرسطو أن فيلا ظهر أن عمره أربعمائة سنة، واعتبر ذلك بالوسم. وبينه وبين السنور عداوة طبيعية، حتى إن الفيل يهرب منه، كما أن السبع يهرب من الديك الأبيض، وكما أن العقرب متى أبصرت الوزغة ماتت.
وذكر القزويني أن فرج الفيلة تحت إبطها، فإذا كان وقت الضراب، ارتفع وبرز للفحل، حتى يتمكن من إيتانها، فسبحان من لا يعجزه شيء.
وفي الحلية، في ترجمة أبي عبد الله القلانسي «١» ، أنه ركب البحر في بعض سياحاته، فعصفت عليهم الريح، فتضرع أهل السفينة إلى الله تعالى ونذروا النذور، إن نجاهم الله تعالى، وألحوا على أبي عبد الله في النذر، فأجرى الله على لسانه أن قال: إن خلصني الله تعالى مما أنا فيه، لا آكل لحم الفيل. فانكسرت السفينة وأنجاه الله تعالى وجماعة من أهلها إلى الساحل. فأقاموا به أياما من غير زاد، فبينما هم كذلك، إذا هم بفيل صغير فذبحوه وأكلوا لحمه، سوى أبي عبد الله، فلم يأكل منه وفاء بالعهد الذي كان منه. قال: فلما نام القوم، جاءت أم ذلك الفيل تتبع أثره وتشم الرائحة، فكل من وجدت منه رائحة لحمه داسته بيديها ورجليها إلى أن تقتله. قال:
فقتلت الجميع، ثم أتت إلي فلم تجد مني رائحة اللحم، فأشارت إلي أن أركبها، فركبتها فسارت بي سيرا شديدا الليل كله، ثم أصبحت في أرض ذات حرث وزرع، فأشارت إلى أن أنزل، فنزلت عن ظهرها فحملني أولئك القوم إلى ملكهم، فسألني ترجمانه، فأخبرته بالقصة. فقال لي:
إن الفيلة قد سارت بك في هذه الليلة مسيرة ثمانية أيام. قال: فلبثت عندهم إلى أن حملت ورجعت إلى أهلي.
وفي كتاب الفرج بعد الشدة للقاضي التنوخي، قال: حدثني الأصبهاني من حفظه، قال:
قرأت في بعض أخبار الأوائل، أن الاسكندر لما انتهى إلى الصين ونازلها، أتاه حاجبه ذات ليلة وقد مضى من الليل شطره، فقال له: إن رسول ملك الصين بالباب، يستأذن بالدخول عليك، فقال: ائذن له، فلما دخل وقف بين يديه وقبل الأرض ثم قال: إن رأى الملك أن يخليني فليفعل، فأمر الاسكندر من بحضرته بالانصراف، فانصرفوا ولم يبق سوى حاجبه، فقال له الرسول: إن الذي جئت له، لا يحتمل أن يسمعه غير الملك، فأمر الاسكندر بتفتيشه، ففتش فلم يوجد معه شيء من السلاح، فوضع الاسكندر بين يديه سيفا مصلتا، وقال له: قف مكانك. وقل ما شئت، وأمر حاجبه بالانصراف، فلما خلا المكان قال له الرسول: اعلم أني أنا ملك الصين لا رسول له، وقد حضرت بين يديك، لأسألك عما تريد مني، فإن كان مما يمكن الانقياد له، ولو على أصعب الوجوه، أجبت إليه واغتنيت أنا وأنت عن الحرب. فقال له الاسكندر: وما آمنك مني؟
قال: لعلمي بأنك رجل عاقل، وأنه ليس بيننا عداوة متقدمة، ولا مطالبة بدخل، ولعلمي أيضا أنك تعلم أن أهل الصين، متى قتلتني لا يسلمون إليك ملكهم، ولا يمنعهم عدمهم إياي أن ينصبوا لأنفسهم ملكا غيري، ثم تنسب أنت إلى غير الجميل وضد الحزم. فأطرق الاسكندر