فلما أتاهم موسى بالآيات الأربع: اليد والعصا والسنين ونقص الثمرات، أبوا أن يؤمنوا وأصروا على كفرهم. فدعا عليهم موسى عليه الصلاة والسلام فقال: رب إن عبدك فرعون علا في الأرض وبغا وعتا، وإن قومه قد نقضوا عهدك، رب فخذهم بعقوبة تجعلها لهم ولقومي عظة، ولمن بعدهم آية وعبرة، فبعث الله عليهم الطوفان، وهو الماء أرسل الله عليهم السماء، وكانت بيوت بني إسرائيل وبيوت القبط مشتبكة ومختلطة، فامتلأت بيوت القبط، حتى قاموا في الماء إلى تراقيهم، من جلس منهم غرق، ولم يدخل بيوت بني إسرائيل من الماء قطرة. وركد الماء على أراضيهم، لا يقدرون على حرث ولا غيره من الأعمال أسبوعا من السبت إلى السبت، وقال مجاهد وعطاء رضي الله تعالى عنهما: الطوفان الموت. وقال وهب: الطوفان الطاعون بلغة اليمن، وقال أبو قلابة: الطوفان الجدري، وهو أول ما عذب به، فبقي في الأرض.
قال نحاة الكوفة: الطوفان مصدر لا يجمع كالرجحان والنقصان، وقال أهل البصرة: هو جمع واحده طوفانة.
فقالوا لموسى عليه السلام: ادع لنا ربك يكشف عنا هذا البلاء، فلئن كشف عنا هذا البلاء، لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل، فدعا ربه فرفع عنهم الطوفان، وأنبت لهم في تلك السنة شيئا لم ينبته لهم قبل ذلك من الكلأ والزرع والثمر، وأخصبت بلادهم، فقالوا: ما كان هذا الماء إلا نعمة علينا وخصبا، فلم يؤمنوا وأقاموا شهرا في عافية. فبعث الله تعالى عليهم الجراد، فأكل عامة زرعهم وثمارهم وأوراق الشجر، حتى أكل الأبواب وسقوف البيوت، والخشب والثيات والأمتعة، ومسامير الأبواب من الحديد، حتى وقعت دورهم، وابتلوا بالجوع، فكانوا لا يشبعون، ولم يصب بني إسرائيل من ذلك شيء، فعجوا وضجوا إلى موسى عليه السلام، وسألوه رفع ذلك عنهم، فدعا له فكشف الله عنهم الجراد، بعدما أقام أسبوعا من السبت إلى السبت.
روي أن موسى عليه السلام برز إلى الفضاء فأشار بعصاه نحو المشرق والمغرب، فرجعت الجراد من حيث جاءت. فأقاموا مصرين على كفرهم شهرا في عافية، ثم بعث الله تعالى عليهم القمل، وقد تقدم ذكره، فعجوا وضجوا، وسألوا رفع ذلك عنهم، وقالوا: إنا نتوب، فدعا موسى عليه الصلاة والسلام ربه أن يرفع ذلك القمل فرفع الله تعالى عنهم القمل بعدما أقام عليهم أسبوعا، من السبت إلى السبت، فنكثوا وعادوا إلى أخبث أعمالهم، فأقاموا شهرا في عافية، فبعث الله عليهم الضفادع، فامتلأت منها بيوتهم وأفنيتهم، وكانت تدخل في فرشهم وبين ثيابهم، وأطعمتهم وآنيتهم، فلا يكشف أحد منهم طعاما ولا إناء إلا وجد فيه الضفادع، وكان الرجل يجلس في الضفادع إلى ذقنه، ويهم أن يتكلم فيثب الضفدع في فيه. وكانت تلقي نفسها في القدر وهي تغلي، فتفسد طعامهم، وتطفىء نيرانهم، ولا يعجنون عجينا إلا انشدخت فيه، وإذا اضطجع أحدهم تركبه الضفادع، حتى تكون عليه ركاما، حتى لا يستطيع أن ينصرف إلى شقه الآخر. فلقوا منها أذى شديدا، فضجوا وصرخوا، وصاحوا وسألوا موسى عليه السلام، فقالوا:
ادع لنا ربك يكشفها عنا، فدعا ربه فرفع الله تعالى عنهم الضفادع، بعدما أقامت عليهم أسبوعا من السبت إلى السبت، فأقاموا شهرا في عافية، ثم نقضوا العهود وعادوا لكفرهم، فأرسل الله تعالى عليهم الدم، فسال النيل عليهم دما، وصارت مياههم دما، فما يستقون من الآبار إلا دما