وكلاب إما منقول من المصدر، الذي هو في معنى المكالبة، نحو كالبت العدو مكالبة وكلابا، وإما جمع كلب، وسموه بذلك طلبا للكثرة كما سموا سباع، وأنمار.
قيل لأبي الدقيش الأعرابي: لم تسمون أبناءكم بشر الأسماء نحو كلب وذئب؟ وعبيدكم بأحسنها نحو مرزوق ورباح؟ فقال: إنما نسمي أبناءنا لأعدائنا وعبيدنا لأنفسنا. وكأنهم قصدوا بذلك التفاؤل بمكالبة العدد وقهره، والكلبة أنثى الكلاب، وجمعها كلبات ولا تكسر.
والكلب حيوان شديد الرياضة كثير الوفاء، وهو لا سبع ولا بهيمة، حتى كأنه من الخلق المركب لأنه لو تم له طباع السبعية ما ألف الناس، ولو تم له طباع البهيمية ما أكل لحم الحيوان، لكن في الحديث إطلاق البهيمة عليه. روى مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«بينما امرأة تمشي بفلاة من الأرض، اشتد عليها العطش، فنزلت بئرا فشربت ثم صعدت، فوجدت كلبا يأكل الثرى من العطش، فقالت: لقد بلغ بهذا الكلب مثل الذي بلغ بي، ثم نزلت البئر فملأت خفها وأمسكته بفيها، ثم صعدت فسقته، فشكر الله لها ذلك، وغفر لها» . قالوا: يا رسول الله أو لنا في البهائم أجر؟ قال:«نعم في كل كبد رطبة أجر»«١» .
وهو نوعان: أهلي وسلوقي نسبة إلى سلوق، وهي مدينة باليمن تنسب إليها الكلاب السلوقية، وكلا النوعين في الطبع سواء، وفي طبعه الاحتلام، وتحيض إناثه وتحمل الأنثى ستين يوما، ومنها ما يقل عن ذلك وتضع جراها عميا، فلا تفتح عيونها إلا بعد اثني عشر يوما، والذكور تهيج قبل الإناث وهي تنزو إذا كمل لها سنة، وربما تسفد قبل ذلك، وإذا سفد الكلبة كلاب مختلفة الألوان أدت إلى كل كلب شبهه. وفي الكلب من اقتفاء الأثر، وشم الرائحة ما ليس لغيره من الحيوانات، والجيفة أحب إليه من اللحم الغريض. ويأكل العذرة ويرجع في قيئه، وبينه وبين الضبع عداوة شديدة وذلك أنه إذا كان في مكان عال أو موضع مرتفع، ووطئت الضبع ظله في القمر رمى بنفسه عليها مخذولا، فتأخذه فتأكله، وإذا دهن كلب بشحمها جن واختلط، وإذا حمل الإنسان لسان ضبع لم تنبح عليه الكلاب، ومن طبعه أن يحرس ربه ويحمي حرمه شاهدا وغائبا، ذاكرا وغافلا، نائما ويقظان، وهو أيقظ الحيوان عينا في وقت حاجته إلى النوم، وإنما غالب نومه نهارا عند الاستغناء عن الحراسة، وهو في نومه، أسمع من فرس، وأحذر من عقعق، وإذانام كسر أجفان عينيه ولا يطبقها، وذلك لخفة نومه، وسبب خفته أن دماغه بارد بالنسبة إلى دماغ الإنسان، ومن عجيب طباعه أنه يكرم الجلة من الناس وأهل الوجاهة، ولا ينبح أحدا منهم، وربما حاد عن طريقه وينبح الأسود من الناس والدنس الثياب والضعيف الحال.
ومن طباعه البصبصة والترضي والتودد والتألف، بحيث إذا دعي بعد الضرب والطرد رجع، وإذا لاعبه ربه عضه العض الذي لا يؤلم، وأضراسه لو أنشبها في الحجر لنشبت، ويقبل التأديب والتلقين والتعليم، حتى لو وضعت على رأسه مسرجة وطرح له مأكول لم يلتفت إليه مادام على تلك الحالة، فإذا أخذت المسرجة عن رأسه وثب إلى مأكوله، وتعرض له أمراض سوداوية في زمن مخصوص، ويعرض له الكلب بفتح اللام وهو داء يشبه الجنون، وعلامة ذلك أن تحمر عيناه