للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وتعلوهما غشاوة، وتسترخي أذناه، ويندلع لسانه ويكثر لعابه، وسيلان أنفه، ويطأطىء رأسه وينحدب ظهره، ويتعوج صلبه إلى جانب، ولا يزال يدخل ذنبه بين رجليه ويمشي خائفا مغموما كأنه سكران، ويجوع فلا يأكل، ويعطش فلا يشرب، وربما رأى الماء فيفزع منه، وربما يموت منه خوفا، وإذا لاح له شبح حمل عليه من غير نبح، والكلاب تهرب منه، فإن دنا منها غفلة، بصبصت له وخضعت، وخشعت بين يديه، فإذا عقر هذا الكلب إنسانا عرض له أمراض رديئة، منها أن يمتنع من شرب الماء حتى يهلك عطشا، ولا يزال يستقي حتى إذا سقي الماء لم يشربه، فإذا استحكمت هذه العلة به، فقعد للبول خرج منه شيء على هيئة الكلاب الصغار.

قال صاحب الموجز في الطب: الكلب حالة كالجذام تعرض للكلب والذئب وابن آوى وابن عرس والثعلب، ثم ذكر غالب ما تقدم، وقال غيره: الكلب جنون يصيب الكلاب فتموت وتقتل كل شيء عضته إلا الإنسان، فإنه قد يعالج فيسلم. قال: وداء الكلب يعرض للحمار ويقع في الإبل أيضا، فيقال: كلبت الإبل تكلب كلبا وأكلب القوم إذا وقع في إبلهم. ويقال: كلب الكلب واستكلب، إذا ضرى، وتعود أكل الناس انتهى.

وذكر القزويني، في عجائب المخلوقات، أن بقرية من أعمال حلب بئرا، يقال لها بئر الكلب، إذا شرب منها من عضه الكلب برىء، وهي مشهورة. قال: وقد أخبرني بعض أهل القرية، أن المكلوب إذا لم يجاوز أربعين يوما، وشرب منها برىء أما إذا جاوز الأربعين فإنه يموت ولو شرب منها. وذكر أنه شاهد ثلاثة أنفس مكلوبين، شربوا منها فسلم اثنان، وكانا لم يبلغا الأربعين، ومات الثالث وكان قد جاوز الأربعين. وهذه البئر يشرب منها أهل الضيعة.

وأما السلوقي فمن طباعه أنه إذا عاين الظباء قريبة منه أو بعيدة عرف المقبل من المدبر، ومشي الذكر من مشي الأنثى، ويعرف الميت من الناس والمتماوت، حتى إن الروم لا تدفن ميتا حتى تعرضه على الكلاب، فيظهر لهم من شمها إياه علامة تستدل بها على حياته أو موته، ويقال:

إن هذا لا يوجد إلا في نوع منها يقال له القلطي، وهو صغير الجرم قصير القوائم جدا، ويسمى الصيني. وإناث السلوقي أسرع تعلما من الذكور، والفهد بالعكس كما تقدم، والسود من الكلاب أقل صبرا من غيرها.

وفي كتاب فضل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب، لمحمد بن خلف المرزبان «١» عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله تعالى عنه، قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا قتيلا، فقال صلى الله عليه وسلم: «ما شأنه» ؟ قالوا: إنه وثب على غنم بني زهرة، فأخذ منها شاة، فوثب عليه كلب الماشية فقتله. فقال صلى الله عليه وسلم: «قتل نفسه، وأضاع ديته، وعصى ربه، وخان أخاه وكان الكلب خيرا منه» .

وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: كلب أمين خير من صاحب خؤون. قال: وكان للحارث بن صعصعة ندماء لا يفارقهم، وكان شديد المحبة لهم، فخرج في بعض منتزهاته، ومعه

<<  <  ج: ص:  >  >>