للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الروم فمررنا بالكهف الذي فيه أصحاب أهل الكهف الذين ذكرهم الله في القرآن، فقال معاوية: لو كشف لنا عن هؤلاء فنظرنا إليهم، فقلت له: ليس لك ذلك قد منع الله ذلك من هو خير منك، فقال «١» تعالى: لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً

فقال معاوية: لا أنتهي حتى أعلم علمهم. ثم بعث ناسا لينظروا، فقال: اذهبوا فادخلوا الكهف، فذهبوا فلما دخلوا الكهف، بعث الله عليهم ريحا فأخرجتهم.

وذكر الثعلبي وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل الله أن يريه إياهم، فقال تعالى: إنك لن تراهم ولكن ابعث إليهم أربعة من كبار أصحابك ليبلغوهم رسالتك ويدعوهم إلى الإيمان بك فقال النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل: «كيف أبعث إليهم» ؟ فقال له جبريل عليه السلام: أبسط كساءك واجلس على طرف من أطرافه أبا بكر، وعلى الطرف الثاني عمر، وعلى الطرف الثالث عثمان، وعلى الطرف الرابع عليا، ثم ادع الريح الرخاء المسخرة لسليمان، فإن الله يأمرها أن تطيعك. ففعل ذلك صلى الله عليه وسلم، فحملتهم الريح إلى باب الكهف فقلعوا منه حجرا، فحمل عليهم الكلب، فلما رآهم حرك رأسه وبصبص إليهم وأومأ إليهم برأسه، أن ادخلوا فدخلوا الكهف. فقالوا: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فرد الله إلى الفتية أرواحهم، فقاموا بأجمعهم فقالوا: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، فقالوا: معشر الفتية، إن النبي محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم يقرأ عليكم السلام، فقالوا: وعلى محمد السلام مادامت السموات والأرض، وعليكم بما أبلغتم، وقبلوا دينه، ثم قالوا:

اقرؤوا على محمد صلى الله عليه وسلم منا السلام، وأخذوا مضاجعهم وصاروا إلى رقدتهم إلى آخر الزمان، عند خروج المهدي، فيقال: إن المهدي يسلم عليهم، فيحييهم الله ويردون عليه السلام، ثم يرجعون إلى رقدتهم فلا يقومون حتى تقوم الساعة.

ثم ردتهم الريح فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: «كيف وجدتموهم» ؟ فأخبروه الخبر فقال النبي صلى الله عليه وسلم:

«اللهم لا تفرق بيني وبين أصحابي وأنصاري، واغفر لمن أحبني، وأحب أهل بيتي وخاصتي» .

واختلف في سبب مصيرهم إلى الكهف، فقال محمد بن اسحاق: مرح أهل الإنجيل وعظمت فيهم الخطايا، وأطغتهم الجن حتى عبدوا الأصنام، وذبحوا للطواغيت، وكانت فيهم بقايا على دين المسيح، يعبدون الله، وكان ملكهم اسمه دقيانوس، وكان قد عبد الأصنام وذبح للطواغيت، حتى نزل مدينة أصحاب الكهف، وهي أفسوس، فهرب منه أهل الإيمان، وكان حين قدمها، أمر أن يجمع له أهل الإيمان، فمن وقع به خيره بين القتل وعبادة الأصنام، فمنهم من يرغب في الحياة، ومنهم من يأبى فيقتل.

ثم أمر بأجسادهم أن تعلق على سور المدينة وعلى كل باب، فحزن هؤلاء الفتية، وأقبلوا على الصلاة والصيام والتسبيح والدعاء، وكانوا ثمانية من أشراف القوم، فعثر عليهم الملك فقال لهم: اختاروا: إما أن تعبدوا آلهتنا، وإما أن أقتلكم! فقال مكسلمينا، وهو أكبرهم: إن لنا إلها هو ملك السموات والأرض، وهو أعظم وأجل من كل شيء، وهو المعبود، فلن ندعو من دونه إلها. فقال الملك: ما يمنعني أن أعجل لكم العقوبة إلا أنكم شباب، وأحب أن أجعل لكم أجلا

<<  <  ج: ص:  >  >>