للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لعلكم تتذكرون فيه، وتراجعون عقولكم.

فأخذوا من بيوتهم نفقة، وخرجوا إلى الكهف يعبدون الله، فأتبعهم كلب كان لهم، وقال كعب: بل مروا بكلب، فنبح بهم فطردوه، فعاد فطردوه مرارا، وهو يعود فقام الكلب على رجليه ورفع يديه إلى السماء، كهيئة الداعي ونطق فقال: لا تخافوا مني فإني أحب أحباء الله، فناموا حتى أحرسكم.

وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: هربوا ليلا، وكانوا سبعة، فمروا براع معه كلب فأتبعهم على دينهم فجعلوا يعبدون الله في الكهف، وجعلوا نفقتهم إلى فتى منهم، يقال له تمليخا، فكان يبتاع لهم طعامهم من المدينة، وكان من أجملهم وأجلدهم، وكان إذا دخل المدينة لبس ثياب المساكين، واشترى طعامهم وتجسس لهم الأخبار، فلبثوا كذلك زمانا، ثم أخبرهم تمليخا أن الملك يتطلبهم، ففزعوا لذلك وحزنوا، فبينما هم كذلك عند غروب الشمس، يتحدثون ويتدارسون، إذ ضرب الله على آذانهم في الكهف، وكلبهم باسط ذراعيه بباب الكهف، فأصابه ما أصابهم، فسمع الملك أنهم في جبل فألقى الله في نفسه أن يأمر بالكهف فيسد عليهم، حتى يموتوا جوعا وعطشا وهو يظنهم أيقاظا، أراد الله بذلك أن يكرمهم، وأن يجعلهم آية لخلقه.

وقد توفى الله أرواحهم وفاة النوم، والملائكة تقلبهم ذات اليمين وذات الشمال، ثم عمد رجلان مؤمنان كانا في بيت الملك، فكتبا شأن الفتية وأسماءهم وأنسابهم، في لوح من رصاص، وجعلاه في تابوت من نحاس، وجعلاه في البنيان.

وقال عبيد بن عمير: كان أصحاب الكهف فتية مطوقين مصورين ذوي ذوائب، وكان معهم كلب صيد فخرجوا في عيد لهم وأخرجوا آلهتهم التي كانوا يعبدونها فقذف الله في قلوبهم الإيمان، وكان أحدهم وزير الملك، فآمنوا وأخفى كل واحد منهم إيمانه عن صاحبه، فخرج شاب منهم حتى انتهى إلى ظل شجرة، ثم خرج آخر فرآه فظن أن يكون على مثل أمره، وجاء من غير أن يظهر له ذلك، ثم خرج الآخرون واحدا بعد واحد حتى اجتمعوا تحت الشجرة. فقال بعضهم لبعض: ما جمعكم ههنا؟ ثم قالوا: ليخرج كل فتيين فيخلوا ثم يفش كل واحد منهما أمره إلى صاحبه، فخرج فتيان فذكر كل واحد منهما لصاحبه أمره، فأقبلا مستبشرين قد اتفقا على أمر واحد، ثم فعلوا جميعا كذلك فإذا هم جميعا على الإيمان. فقال بعضهم لبعض: ائووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته، ويهييء لكم من أمركم مرفقا، فدخلوا الكهف ومعهم كلبهم، فناموا ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعا، فلما لم يجدوهم كتبوا أسماءهم وأنسابهم في لوح: فلان وفلان أبناء ملوكنا فقدناهم، في شهر كذا في سنة كذا، في مملكة فلان بن فلان. ووضعوا اللوح في خزانة الملك، وقالوا: ليكونن لهذا شأن.

وقال السدي: لما خرجوا، مروا براع معه كلب، فقال الراعي: إني أتبعكم على أن أعبد الله معكم، قالوا: سر فسار معهم، وتبعهم الكلب فقالوا: يا راعي هذا الكلب ينبح علينا، وينبه بنا فما لنا به من حاجة. فطردوه فأبى إلا أن يلحق بهم، فرجموه فرفع يديه كالداعي، وأنطقه الله تعالى فقال: يا قوم لم تطردونني لم تضربونني لم ترجمونني؟ فو الله لقد عرفت الله قبل أن

<<  <  ج: ص:  >  >>