فيه يؤاجر نفسه من صاحب الحمام، فرأى الرجل في حمامه البركة ودر عليه الرزق، فجعل يعرض عليه الإسلام، وجعل يسترسل إليه، وعلقه فتية من أهل المدينة، فجعل يخبرهم خبر السماء والأرض، وخبر الآخرة حتى آمنوا بما يقوله وصدقوه، وكانوا على مثل حاله في حسن الهيئة، وكان يشترط على صاحب الحمام، أن الليل لا يحول بيني وبينه أحد، ولا بين الصلاة إذا حضرت، فكان على ذلك، حتى جاء ابن الملك بامرأة، فدخل بها الحمام، فعيره الحواري «١» ، وقال له:
أنت ابن الملك وتدخل معك هذه التي هي كذا وكذا. فاستحيا وذهب، فرجع مرة أخرى، فقال له مثل ذلك، فسبه وانتهره ولم يلتفت إليه حتى دخل، ودخلت معه المرأة فماتا في الحمام جميعا.
فأتى الملك، فقيل له: إن صاحب الحمام قد قتل ابنك فالتمس فلم يقدر عليه، وهرب كل من كان يصحبه، فسموا الفتية فالتمسوا فخرجوا من المدينة فمروا بصاحب لهم في زرع، وهو على مثل أمرهم، فذكروا له أنهم التمسوا، فانطلق معهم ومعه الكلب حتى آواهم الليل إلى الكهف، فدخلوا وقالوا: نبيت ههنا الليلة، ثم نصبح إن شاء الله فترون رأيكم. فضرب على آذانهم فخرج الملك في أصحابه يتبعونهم، حتى وجدوهم قد دخلوا الكهف، فكلما أراد رجل أن يدخل الكهف أرعب، فلم يطق أحد أن يدخله فقال قائل: أليس لو كنت قدرت عليهم قتلتهم؟
قال: بلى. قال: فابن عليهم باب الكهف ودعهم يموتون عطشا وجوعا. ففعل فغبر بعد ما بنى عليهم باب الكهف، زمان بعد زمان.
ثم إن راعيا أدركه المطر عند الكهف، فقال: لو فتحت هذا الكهف وأدخلت غنمي من المطر، فلم يزل يعالجه حتى فتح، فأدخل فيه غنمه، ورد الله تعالى إليهم أرواحهم في أجسادهم من الغد حين أصبحوا، فبعثوا أحدهم بورق يشتري لهم طعاما، فلما أتى باب مدينتهم لم ير شيئا ينكره، حتى دخل على رجل فقال له: بعني بهذه الدراهم طعاما، فقال: ومن أين لك هذه الدراهم؟ قال: خرجت أنا وأصحاب لي أمس فآوانا الليل حتى أصبحوا، فأرسلوني. فقال: هذه الدراهم كانت على عهد الملك فلان، فأنى لك بها؟ فرفعه إلى الملك، وكان ملكا صالحا، فقال:
من أين لك هذه الدراهم؟ قال: خرجت أنا وأصحاب لي أمس حتى أدركنا الليل في كهف كذا وكذا فلما أصبحوا أمروني أن أشتري لهم طعاما. قال: وأين أصحابك؟ قال: في الكهف.
فانطلقوا معه حتى أتوا باب الكهف، فقال: دعوني أدخل إلى أصحابي قبلكم، فلما رأوه ودنا منهم، ضرب الله على آذانه وآذانهم، فجعلوا كلما دخل رجل أرعب، فلم يقدروا أن يدخلوا إليهم. فبنوا عنده كنيسة واتخذوها مسجدا يصلون فيه.
وعن قتادة عن عكرمة قال: كان أصحاب الكهف أبناء ملوك الروم، رزقهم الله الإسلام، فتعوذوا بدينهم واغتالوا قومهم، حتى انتهوا إلى الكهف، فضرب الله على صماخهم فلبثوا دهرا طويلا حتى هلكت أمتهم، وجاءت أمة مسلمة، وكان ملكهم مسلما، واختلفوا في الروح والجسد، فقال قائل: تبعث الروح والجسد جميعا، وقال قائل: تبعث الروح لا غير، فأما الجسد فتأكله الأرض، فلا يكون شيئا، فشق على ملكهم اختلافهم، فانطلق فلبس المسوح وجلس على