للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وكان لا يدعو بشيء، حتى ينظر ما يؤمر به في المنام، فوامر بالدعاء عليهم، فقيل له في المنام: لا تدع عليهم. فقال لهم: إني قد آمرت ربي وإني نهيت. فأهدوا له هدية فقبلها، ثم راجعوه فقال:

حتى أؤامر ربي فآمره، فلم يجز إليه بشيء. فقال: قد وامرت فلم يجز إلي بشيء. فقالوا: لو كره ربك أن تدعو عليهم، لنهاك كما نهاك المرة الأولى، فلم يزالوا يتضرعون إليه حتى فتنوه فافتتن، وركب أتانا له متوجها إلى جبل يطلع منه على عسكر بني إسرائيل، يقال له حسان، فما سار عليها غير كثير حتى ربضت به فنزل عنها، وضربها حتى إذا أذلقها الضرب، قامت فركبها فلم تسر به كثيرا حتى ربضت، ففعل بها مثل ذلك، فقامت فركبها فلم تسر به كثيرا حتى ربضت، فضربها حتى أذلقها، فأذن الله تعالى لها بالكلام، فكلمته حجة عليه، فقالت: ويحك يا بلعم أين تذهب ألا ترى الملائكة أمامي يردوني عن وجهي هذا أتذهب إلى نبي الله والمؤمنين، تدعو عليهم؟ فلم ينزع فخلى الله سبيلها فانطلقت حتى إذا أشرفت على جبل حسان، جعل يدعو عليهم بالاسم الأعظم الذي كان عنده، فاستجيب له ووقع موسى عليه السلام وبنو إسرائيل في التيه.

فقال موسى: يا رب بأي ذنب أوقعتنا في التيه؟ قال تعالى: بدعاء بلعام. قال موسى عليه السلام: يا رب فكما سمعت دعاءه علينا فاسمع دعائي عليه. فدعا موسى عليه أن ينزع الله تعالى منه الاسم الأعظم. فنزع الله منه المعرفة وسلخه منها، فخرجت من صدره كحمامة بيضاء. قاله مقاتل.

وقال ابن عباس والسدي: لما دعا بلعام على موسى وقومه، قلب الله لسانه، فجعل لا يدعو عليهم بشيء من الشر إلا صرف الله به لسانه إلى قومه، ولا يدعو بشيء من الخير، إلا صرف الله به لسانه إلى بني إسرائيل، فقال له قومه: يا بلعم أتدري ما تصنع؟ إنما تدعو لهم وعلينا! فقال:

هذا ما أملك، هذا شيء قد غلب الله عليه، فنسي الاسم الأعظم واندلع لسانه على صدره. فقال لهم: قد ذهبت مني الآن الدنيا والآخرة، فلم يبق إلا المكر والخديعة والحيلة، فسأمكر لكم وأحتال عليهم، جملوا النساء وزينوهن وأعطوهن السلع، ثم أرسلوهن إلى العسكر يبتعنها فيه، ومروهن أن لا تمنع امرأة نفسها من رجل أرادها، فإنهم إن زنى واحد منهم كفيتموهم. ففعلوا.

فلما أتى النساء العسكر، مرت امرأة من الكنعانيين اسمها كستى بنت صور برجل من عظماء بني إسرائيل، يقال له زمري بن شلوم، رأس سبط شمعون بن يعقوب، فقام إليها فأخذ بيدها حين أعجبه جمالها، ثم أقبل بها حتى وقف على موسى عليه السلام، فقال: إني أظنك ستقول هذا حرام علي! فقال موسى: أجل هي حرام عليك لا تقربنها. قال: فو الله لا أطيعك في هذا، ثم دخل بها قبة، فوقع عليها، فأرسل الله الطاعون على بني إسرائيل في الوقت.

وكان فنحاص بن العيزار بن هارون صاحب أمر موسى عليه السلام، وكان رجلا قد أعطي بسطة في الخلق، وقوة في البطش وكان غائبا، حين صنع زمري بن شلوم ما صنع، فجاء الطاعون يجوس بني إسرائيل، فأخبر الخبر فأخذ حربته، وكانت من حديد كلها، ثم دخل عليهما القبة، وهما متضاجعان، فانتظمهما بحربته، ثم خرج بهما رافعهما إلى السماء، والحربة قد أخذها بذراعه، واعتمد بمرفقه على خاصرته، وأسند الحربة إلى الحيية وكان بكر العيزار، فجعل يقول:

اللهم هكذا نفعل بمن يعصيك، فرفع الطاعون، فحسب من هلك من بني إسرائيل بالطاعون فيما

<<  <  ج: ص:  >  >>