للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بين أصاب زمري المرأة إلى أن قتلهما فنحاص، فوجد قد هلك منهم سبعون ألفا في ساعة من النهار. فمن هنالك يعطي بنو إسرائيل ولد فنحاص من كل ذبيحة ذبحوها: القبة والذراع واللحى لاعتماده بالحربة على خاصرته، وأخذه إياها بذراعه وإسناده إياها إلى الحيية، والبكر من كل أموالهم وأنفسهم، لأنه كان بكر العيزار. ويقال: إنه لما انتظمهما بالحربة وخرج بهما كانا في الحربة كحالهما في حالة الزنا. فكان ذلك آية.

وروي عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، وسعيد بن المسيب، وزيد بن أسلم، أن هذه الآية نزلت في أمية بن أبي الصلت، وكان قد قرأ التوراة والإنجيل، وكان يعلم أن الله تعالى يرسل رسولا من العرب، فرجا أن يكون هو ذلك الرسول، فلما أرسل الله تعالى محمدا صلى الله عليه وسلم حسده وكفر به، وكان صاحب حكمة وموعظة حسنة، وكان قصد بعض الملوك، فلما رجع مر على قتلى بدر، فسأل عنهم من قتلهم؟ فقيل قتلهم محمد صلى الله عليه وسلم. فقال: لو كان نبيا ما قتل أقرباءه. وسيأتي إن شاء الله تعالى له ذكر في الوعل أيضا.

وقالت فرقة: إنها نزلت في رجل من بني إسرائيل، كان قد أعطي ثلاث دعوات مستجابات، وكانت له امرأة له منها ولد، فقالت: اجعل لي منها دعوة، فقال: لك منها واحدة فما تريدين؟ قالت: ادع الله أن يجعلني أجمل امرأة في بني إسرائيل، فدعا لها. فكانت كذلك. فلما علمت أنه ليس فيهم مثلها رغبت عنه، فغضب الزوج، ودعا عليها فصارت كلبة نباحة فذهبت فيها دعوتان، فجاء بنوها وقالوا: ليس لنا على هذا قرار، وقد صارت أمنا كلبة نباحة، والناس يعيروننا بها، ادع الله أن يردها إلى الحال التي كانت عليه، فدعا الله لها فعادت كما كانت، فذهبت فيها الدعوات كلها. والقولان الأولان أظهر.

وقال الحسن وابن كيسان: نزلت في منافقي أهل الكتاب الذين كانوا يعرفون النبي صلى الله عليه وسلم، كما يعرفون أبناءهم. وقال قتادة: هذا مثل ضربه الله تعالى لكل من عرض عليه الهدى، فأبى أن يقبله. قال الله تعالى: وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها

«١» أي وفقناه للعمل بها، فكنا نرفع بذلك منزلته في الدنيا والآخرة. ولكنه أخلد إلى الأرض، أي ركن إلى الدنيا وشهواتها ولذاتها.

قال الزجاج: خلد وأخلد واحد، وأصله من الخلود وهو الدوام والمقام. يقال: أخلد فلان بالمكان، إذا أقام به. والأرض هنا عبارة عن الدنيا لأن ما فيها من العقار والرباع كلها أرض وسائر متاعها مستخرج من الأرض. واتبع هواه انقاد إلى ما دعاه إليه الهوى، فعوقب في الدنيا بأنه كان يلهث كما يلهث الكلب، فشبه به صورة وهيئة. قال القتبي: كل شيء يلهث فإنما يلهث من إعياء أو عطش، إلا الكلب فإنه يلهث في حال التعب وحال الراحة، وفي حال الري وحال العطش، فضربه الله مثلا لمن كذّب بآيات الله. فقال: إن وعظته فهو ضال، وإن تركته فهو ضال كالكلب، إن طردته لهث وإن تركته على حاله لهث انتهى.

واللهث تنفس بسرعة، وتحرك أعضاء الفم معه، وامتداد اللسان وخلقة الكلب أنه يلهث على كل حال. قال الواحدي وغيره: وهذه الآية من أشد الآي على ذوي العلم، وذلك أن الله

<<  <  ج: ص:  >  >>